سؤال من الأخ ج‮. ‬ق‮. ‬الطوهري‮ ‬من محافظة جازان في‮ ‬المملكة‮ ‬العربية السعودية عن حكم من‮ ‬يتصرف في‮ ‬ملك‮ ‬غيره بالبيع وغيره دون إذنه‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

حكم التصرف في‮ ‬ملك الغير بالبيع وغيره دون إذنه‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

الأصل ألا يتصرف الإنسان إلا فيما يملك، وما لا فلا، وفي تعامل الناس قد يحدث العكس، فقد يضع مالك العقار عقاره عند دلال للعقار لإيجاره، فيبيعه، وقد يضعه عنده لبيعه، فيؤجره، وقد يأمره بشراء أرض له في مكان معين، فيشتريها في مكان آخر، وقد يكون أودع عنده مالًا لحفظه فقط، فيشتري له به شيئًا لم يرده منه، وهكذا، ويعرف هذا بالفضولي، وللفقهاء في ذلك أقوال.

ففي مذهب الإمام أبي حنيفة:‏ للمالك أن يجيز هذا التصرف أو يفسخه إن بقي المتعاقدان (الفضولي والمشتري)، والمعقود عليه (المحل)، والمعقود له (المالك) بحالهم، والدليل على ذلك حديث عروة بن أبي الجعد البارقي: أن رسول الله -ﷺ- أعطاه دينارًا يشتري له به شاة، فاشترى له به شاتين، فباع إحداهما بدينار، فجاء بدينار وشاة، فدعا له بالبركة في بيعه، وكان لو اشترى التراب لربح فيه([1]).

ومن الأدلة -أيضًا-: حديث حكيم بن حزام أن رسول الله -ﷺ-بعثه ليشتري له أضحية بدينار، فاشترى أضحية، فأربح فيها دينارًا، فاشترى أخرى مكانها، فجاء بالأضحية والدينار إلى رسول الله -ﷺ-، فقال: (ضَحِّ بالشاة، وتصدق بالدينار)([2])، ووجه الاستدلال: أن رسول الله -ﷺ-أجاز بيعه، ولو كان باطلًا لرده، وأنكر عليه([3]).

وفي مذهب الإمام مالك:‏ إذا بيع ملك الغير بغير إذنه، والمبتاع بجهله، فلربه إمضاؤه، ويطالب الفضولي فقط بالثمن، ولا يطالب به المشتري؛ لأنه بإجازة بيعه صار الفضولي وكيلًا له([4]).

وقال بجواز إمضاء بيع الفضولي لمن أراد ذلك آخرون، منهم: إسحاق بن راهويه، واستدل بقول الله  -تعالى-: ‏{وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2]، وأن في هذا إعانة المسلم لأخيه المسلم.

وخالف في ذلك أصحاب مذهب الإمام الشافعي، وقالوا ببطلان هذا البيع وعدم إجازته، واستدلوا على بطلانه بعدة أدلة:‏

منها: قصة حكيم بن حزام الذي قال له رسول الله -ﷺ-: ‏(لا تبع ما ليس عندك)([5])، ومنها: حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله -ﷺ-قال:‏ (لا طلاق إلا فيما يملك، ولا عتق إلا فيما تملك، ولا بيع إلا فيما تملك، ولا وفاء نذر إلا فيما تملك)([6]).

ومن هذه الأدلة: حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله -ﷺ-قال: ‏(لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا تبع ما ليس عندك)([7]).

ومن الأدلة -أيضًا-أن الفضولي أحد طرفي البيع، فلم يقف على الإجازة كالقبول، ولأنه باع ما لا يقدر على تسليمه، فلم يصح بيعه كبيع السمك في الماء، والطير في الهواء([8]).

وتناقش الأدلة بأن قول من قال: ‏إن هذا من التعاون على البر والتقوى، بأنه ليس كذلك، بل هو من الإثم والعدوان.

أما حديث حكيم بن حزام فأجابوا عنه بجوابين:‏

أولهما: أنه حديث ضعيف.

والثاني: أنه محمول على أنه كان وكيلًا لرسول الله -ﷺ- وكالة مطلقة، يدل على أنه باع الشاة، وسلمها واشترى([9]).

ويتفق مذهب الإمام أحمد مع مذهب الإمام الشافعي بأن بيع الفضولي لا يصح، فإن باع ملك غيره دون إذنه -ولو كان حاضرًا وساكتًا- لم يصح بيعه، ولو أجازه المالك بعد ذلك، وذلك لفوات شرط البيع، وهو ملكية المبيع لصاحبه وقت العقد، ووجه الاستدلال حديث حكيم بن حزام المشار إليه، وغيره من وجوه الاستدلال عند أصحاب الإمام الشافعي([10]).

ويتبين من أقوال الفقهاء – رحمهم الله – أن لكل منهم حجته فيما ذهب إليه من جواز تصرف الفضولي وعدمه.

قلت:‏ ولعل الصواب عدم جوازه؛ ذلك أن تصرفه يشبه التعدي، أو هو التعدي بعينه، ولو قيل بجوازه لأصبح لكلٍّ الحق في التصرف في مال غيره بحجة التعاون على البر والتقوى، فيكون لدلال العقار في المثال المشار إليه أعلاه أن يتصرف في ملك من وثقوا فيه، ووضعوا عقاراتهم عنده إيجارًا أو بيعًا، فيبيع العقار رغم أن صاحبه يريد إيجاره، أو يفرط في المال المؤتمن عليه، فيشتري به شيئاً لا يريده صاحبه، فيخسر ماله.

فالمشكلة إذًا ليست في مسألة الجواز من عدمه، ولكنها في تعدي الفضولي بالتصرف في ملك غيره، وهو الذي نهى عنه رسول الله -ﷺ-بقوله: (ولا تبع إلا فيما تملك)، أما تصرف عروة البارقي وحكيم بن حزام في الحديثين الآنفي الذكر، فالذي يظهر أنهما كانا وكيلين لرسول الله -ﷺ-يتصرفان في ضوء هذه الوكالة، كما تقدمت الإشارة إليه.

وخلاصة المسألة:‏ أنه لا يجوز لأحد أن يتصرف في ملك غيره ما لم يكن مأذونًا له بذلك بوكالة أو نحوها سدًّا للذريعة.

والله أعلم.

([1])  أخرجه البخاري في كتاب المناقب، باب “حدَّثنا محمد بن المثنَّى..”، فتح الباري ج6 ص137، برقم (3642).

([2])  أخرجه الترمذي في كتاب البيوع، باب “حدثنا أبو كريب”، سنن الترمذي ج3 ص٨٥٥، برقم (٧٥٢١)، وأخرجه أبو داود في كتاب البيوع، باب في المضارب يخالف، سنن أبي داود ج3 ص٦٥٢، برقم (٦٨٣٣)، ضعفه الألباني في ضعيف الترمذي، (١٢٥٧).

([3])  تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي ج4 ص102-104، وينظر:‏ بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني ج5 ص146 – 149.

([4])  حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدسوقي ج3 ص12 ، وينظر: ‏شرح الزرقاني على مختصر سيدي خليل مع الفتح الرباني فيما ذهل عنه الزرقاني ص34-35.

([5]) المجموع شرح المهذب للإمام النووي ج1 ص261-264، وينظر: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج للخطيب ج2 ص15، وحديث عمرو بن شعيب حسّنه الألباني في صحيح سنن أبي داود ج2 ص412، برقم (٦١٩١).

([6])  أخرجه الترمذي في كتاب البيوع، باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك، سنن الترمذي ج3 ص435، برقم (٢٣٢١)، وأخرجه أبو داود في كتاب البيوع، باب في الرجل يبيع ما ليس عنده، سنن أبي داود ج3 ص٣٨٢، برقم (٣٠٥٣)،حسنه الألباني في صحيح الجامع (٧٥٢٢).

([7])  أخرجه الترمذي في كتاب البيوع، باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك، سنن الترمذي ج3 ص535-536، برقم (٤٣٢١)، وأخرجه أبو داود في كتاب البيوع، باب في الرجل يبيع ما ليس عنده، سنن أبي داود ج3 ص283، برقم (٤٠٥٣)، قال النووي في المجموع (9/362): إسناده صحيح.

([8])  المجموع شرح المهذب للنووي ج9 ص363 .

([9])  ينظر:‏ المجموع شرح المهذب للنووي ج9 ص363، وقال: “أما إسناد أبي داود ففيه نسخ مجهول، وأما إسناد الترمذي ففيه انقطاع”.

([10])     كشاف القناع عن متن الإقناع للبهوتي ج3 ص751-851، وينظر: ‏الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي ج4 ص382 .