لما فرض الله الصلاة فرض لها وقتاً محدداً لا تجزئ إلا فيه، فقال‏: تعالى:  {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [النساء‏: 301] . أي مفروضاً في أوقاتها. وقد بين هذه الأوقات في قوله -تعالى-: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء‏: 87]. وقوله -عز ذكره-‏: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ} [هود الآية: 411] . وفي هذه الآية بيان لأوقات الصلوات الخمس؛ فصلاة الفجر تؤدى في أحد طرفي النهار، وصلاة الظهر والعصر تؤديان في الطرف الآخر، وصلاة المغرب والعشاء تؤديان في زلف من الليل أي ساعاته.

كما بينت سنة رسول الله أوقات الصلاة فيما رواه عبدالله بن عمر أن رسول الله قال‏: (وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله ما لم يحضر العصر، ووقت العصر ما لم تصفرَّ الشمس، ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق. ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط، ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمس فأمسك عن الصلاة) الحديث^([1]).وهذه الأدلة تقتضي وجوب أداء الصلاة في وقتها من دون تقديم لهذا الوقت أو تأخير له؛ فمن تقدم بها فقد أثم، وصلاته باطلة. ومن تأخر بها فقد أثم لقوله تعالى:  {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّين* الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُون } [الماعون‏: 4-5] .ومن لطف الله ورأفته بعباده التخفيف عليهم وعدم إرهاقهم بفعل ما لا يستطيعون، وفي هذا قال- تعالى -‏: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة‏: 682] . وقال -عز ذكره-‏: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج‏: 87]. وقال -جل ثناؤه-:  {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن‏: 61] . وقد بيَّن رسول الله لأمته منهج الطاعة في أمره ونهيه، فقال -عليه الصلاة والسلام-‏: (إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه)^([2]).

هذا من حيث العموم في وقت الصلاة، أما أهل الأعذار فهم مستثنون من حكم هذا الوقت، فيجمعون صلاتهم حسب أحوالهم، وخالف أصحاب الإمام أبي حنيفة في مسألة الجمع، فقالوا‏: لا يجوز الجمع إلا بين الظهر والعصر في وقت الظهر في عرفات، وبين المغرب والعشاء في مزدلفة، وفي غير ذلك لا يجوز الجمع، وقد استدلوا على ذلك بقول الله تعالى‏: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [النساء‏: 301]  كما استدلوا بما رواه ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله قال:  (من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى باباً من أبواب الكبائر)^([3]). كما استدلوا بما قاله عمر الجمع بين الصلاتين من الكبائر^([4]). وبما قاله عبدالله بن مسعود أن رسول الله ما صلى صلاة قط إلا لوقتها، إلا صلاتين جمع بين الظهر والعصر بعرفة، وبين المغرب والعشاء في مزدلفة^([5]).  وخالف في ذلك جمهور العلماء على تفصيل في هذه المسألة، ونفي لهذا الاستدلال^([6])، وعامتهم على استثناء أهل الأعذار من حكم الوقت؛ فيجوز لهم الجمع مع وجود العذر في السفر، والمرض، والمطر.

ومن أهل الأعذار المسافر سفراً يبيح له القصر، فيجوز له الجمع بين صلاتي الظهر والعصر، وصلاتي المغرب والعشاء، لما رواه عمرو ابن دينار قال‏: غربت الشمس ونحن مع عبدالله بن عمر، فسار، فلما أمسى قلنا‏: الصلاة، فسار حتى غاب الشفق وتصوبت النجوم، ثم نزل وجمع بين المغرب والعشاء وقال‏: رأيت رسول الله إذا جد به السير يصلي صلاتي هذه، ويقول:  (يجمع بينهما بعد ليل)^([7]). وما رواه أنس بن مالك أن رسول الله كان إذا عجل به السير يؤخر الظهر إلى وقت العصر، فيجمع بينهما، ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء، حتى يغيب الشفق^([8]). وللمسافر الخيار في تقديم الصلاة الثانية فيصليها مع الصلاة الأولى، وبين تأخير الأولى إلى الصلاة الثانية، لما روي أن رسول الله كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل زيغ الشمس أخر الظهر إلى أن يجمعها إلى العصر فيصليهما جميعاً. وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً ثم سار. وإذا ارتحل بعد زيع الشمس عجّل العصر إلى الظهر، وصلى الظهر والعصر جميعاً، ثم سار. وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء. وإذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب^([9]).

ومن أهل الأعذار المريض، فيجوز له الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء إذا كان عدم الجمع يؤدي به إلى الإرهاق والمشقة، ويعد في حكم المريض كثير النجاسة؛ لعدم قدرته على التحكم في بوله، كما يعد في حكم المريض المستحاضة ومن هو في حكمها، وكذا من خاف الغلبة على عقله، وكذا أصحاب العمليات الجراحية ونحوهم ممن لا يستطيعون أداء الصلاة في وقتها. والأصل في هذا حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر^([10]).

وكما يعد السفر والمرض عذراً يستثنى أصحابه من حكم الوقت، يُعَدُّ المطر كذلك عذراً يجوز فيه جمع صلاتي المغرب والعشاء، على خلاف في جواز الجمع بين صلاتي الظهر والعصر. والأصل في الاستثناء من حكم الوقت في المطر ما روي عن ابن عمر قال‏: كان رسول الله  ينادي مناديه في الليلة المطيرة والباردة ذات الريح‏: (صلوا في رحالكم)^([11]). والمطر المبيح للاستثناء من الحكم ما يكون نازلاً أو يترقب نزوله على وجه اليقين، بحيث يؤدي إلى المشقة والعنت.

ويعد في حكم العذر الموجب للاستثناء من حكم الوقت، الرياح والأعاصير العاتية، والخوف من الظلمة واللصوص وقطاع الطرق، ونحو ذلك مما يخاف المرء معه على نفسه أو أهله أو ماله.

وينبني على ما سبق أنه يستثنى من حكم الوقت في الصلاة أهل الأعذار من المسافرين والمرضى ومن في حكمهم، وكذلك من يحول المطر وما في حكمه بينه وبين أداء الصلاة في وقتها^([12]).

([1])  أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب أوقات الصلوات الخمس، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم للأبي ج2 ص546-547، برقم (612).

([2])  أخرجه مسلم في كتاب الحج، باب فرض الحج مرة في العمر، صحيح مسلم بشرح النووي، ج6 ص3612، برقم( 1337).

([3])  أخرجه الترمذي في أبواب الصلاة، باب ما جاء في الجمع بين الصلاتين، سنن الترمذي ج1 ص356، برقم (188)، وفيه حنش حسين بن قيس الرجي، قال الترمذي‏: ‏«وهو ضعيف عند أهل الحديث، ضعفه أحمد».

([4])  بدائع الصنائع ج1 ص127، والأثر أخرجه البيهقي في السنن الكبرى ج3 ص169 .

([5])  بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للإمام الكاساني، ج1 ص126-127، وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي ج1 ص88-89، والحديث أخرجه الزيلعي في نصب الراية ج2 ص194.

([6])  ومن ذلك أن ما نقل عن عمر غير ثابت، وإنما الثابت عنه أنه قال الجمع بينهما لغير عذر من الكبائر، ناهيك بأن حديث الجمع مشهور بين الصحابة.

([7])  أخرجه البخاري في كتاب تقصير الصلاة، باب هل يؤذن أو يقيم إذا جمع بين المغرب والعشاء، فتح الباري ج2 ص677-676، برقم (1106). 1109

([8])  أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين، باب الجمع بين الصلاتين في السفر، صحيح مسلم بشرح النووي، ج3 ص2142، برقم (1596، 1598).

([9])  أخرجه الترمذي في أبواب الصلاة، باب ما جاء في الجمع بين الصلاتين، سنن الترمذي ج2 ص834-934، برقم (355).

([10])     متفق عليه، أخرجه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة، باب في تأخير الظهر إلى العصر، صحيح البخاري ج1 ص143-144-147، وأخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين، باب الجمع بين الصلاتين في الحضر، صحيح مسلم ج1 ص490-493.

([11])     أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين، باب الصلاة في الرحال في المطر، صحيح مسلم ج3 ص2129-2128، بأرقام (1571، 1572، 1573).

([12])     ينظر في هذا‏: ‏حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدسوقي ج1 ص369-361، والقوانين الفقهية لابن جزي ص35-34، وأسهل المدارك شرح إرشاد السالك في فقه إمام الأئمة مالك للكشناوي ج1 ص432-932، وفي مذهب الإمام الشافعي ينظر‏: ‏المهذب في فقه الإمام الشافعي للشيرازي ج1 ص104-105، والحاوي الكبير للماوردي ج2 ص47، ص884-794، والأم للإمام الشافعي ج1 ص77-87، وينظر في مذهب الإمام أحمد:  الكافي لابن قدامة ج1 ص457-462، والمغني مع الشرح الكبير لابني قدامة ج2 ص112-125، والإقناع للحجاوي ج1 ص280-283، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف ج2 ص334-347، وينظر‏: ‏رسائل ومسائل في الفقه للباحث ج2 ص308-315.