سؤال من الأخ جعفر أحمد مدير مدرسة بيت العلوم في جمهورية بنغلاديش يقول فيه: هل ورد لفظ (التوحيد) في كتاب الله تعالى أو في سنة رسوله أو في آثار الصحابة، وما إذا كان قد ثبت عن الإمام أبي حنيفة وأصحابه بتقسيم التوحيد إلى أقسام.1- سؤال من الأخ جعفر أحمد مدير مدرسة بيت العلوم في جمهورية بنغلاديش يقول فيه: هل ورد لفظ (التوحيد) في كتاب الله تعالى أو في سنة رسوله أو في آثار الصحابة، وما إذا كان قد ثبت عن الإمام أبي حنيفة وأصحابه بتقسيم التوحيد إلى أقسام.

لفظ (التوحيد) وما إذا كان قد ورد في الكتاب والسنة أو آثار الصحابة وما إذا كان قد ثبت عن الإمام أبي حنيفة وأصحابه التصريح بتقسيم التوحيد إلى أقسام

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه ورسوله محمد r وعلى آله وصحابته ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فإن التوحيد في اللغة مشتق من الفعل (وحّد يُوحّد)، ووحّد الله: أقر وآمن بأنه واحد، و(توحّد الله) بربوبيته وجلاله وعظمته تفرد بها. (الأحد) أصله(وحد)، ويكون مرادفًا له في موضعين: أحدهما وصف اسم الباري تعالى، فيقال هو (الواحد) وهو (الأحد) لاختصاصه بـ (الأحدية)، فلا يشركه فيها غيره، ولهذا لا ينعت به غيره تعالى، فلا يقال (رجل أحد) ولا (درهم أحد)، ونحو ذلك. الثاني: أسماء العدد للغلبة وكثرة الاستعمال، فيقال: أحد وعشرون وواحد وعشرون([1]).

ومعنى التوحيد في الاصطلاح مماثل لمعناه في اللغة، وهو الإيمان بأن الله واحد أحد لا شريك له في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته أو هو تجريد الذات الإلهية عن كل ما يتصور في الأوهام والأذهان([2]).

وقد ورد لفظ (التوحيد) في القرآن الكريم في موضعين: الأول: بلفظ (واحد)، والثاني ورد بلفظ (أحد)، وقد ورد اللفظ الأول: في آيات كثيرة من كتاب الله العزيز، منها إنكار الله على النصارى قولهم: إن الله ثالث ثلاثة، أي الأب والابن والروح، ومبينًا لهم أنه لا إله إلا إله واحد هو الله، ومحذرًا لهم بأن من يقول خلاف ذلك فهو كافر {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ} [المائدة: 73]، ومن الآيات أمر الله لنبيه ورسوله أن يقول للمشركين إذا كنتم تشهدون أن مع الله آلهة أخرى، لتقديسكم اللات والعزى، فأنا لا أشهد معكم؛ لأن فعلكم هذا شرك وكفر، وأنه لا إله إلا الله واحد هو الله، ولا أحد غيره، وفي هذا قال تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ} [الأنعام: 19]. ومن الآيات أمر الله لنبيه ورسوله محمد r أن يقول للمشركين: إن الله هو الخالق لكل شيء، وأنه الخالق لآلهتهم، فعليهم أن يعبدوه: {قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّار} [الرعد: 16]، ومن الآيات أمره كذلك لنبيه ورسوله أن يقول للناس بأن القرآن بلاغ لهم ونذير لهم، لما فيه من الأوامر والمواعظ، ليعلموا أنه ليس من إله إلا إله واحد هو الله، وفي هذا قال تعالى: {هَـذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَاب} [إبراهيم: 52]. والآيات بهذا اللفظ كثيرة.

أما المـوضع الثاني من القرآن الكريم، فقد ورد فيه لفظ (الأحد) في سورة الإخـلاص في قول الله: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد} [الإخلاص: 1].

وأما لفظ (التوحيد) في السـنة فقد ورد في عدة أحـاديث، منها عن جابر قال: قال رسول الله r: «يعذب ناس من أهل التوحيد في النار، حتى يكونوا فيها حممًا، ثم تدركهم الرحمة، فيخرجون ويطرحون على أبواب الجنة قال: فترش عليهم أهل الجنة الماء فينبتون، كما ينبت الغثاء في حمالة السيل، ثم يدخلون الجنة». قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وقد روي من غير وجه عن جابر([3]) ومن الأحاديث ما رواه عبدالله بن مسعود وغيره: أن النبي r قال: «سيخرج قوم من النار من أهل التوحيد، ويدخلون الجنة»([4]) ومنها عن عبدالله بن مسعود أنه قال: قال رسول الله r: «أن رجلًا لم يعمل من الخير شيئًا قط إلا التوحيد، فلما حضرته الوفاة، قال لأهله: إذا أنا مت، فخذوني واحرقوني، حتى تدعوني حممة، ثم اطحنوني، ثم اذروني في البحر، في يوم ريح، قال: ففعلوا به ذلك، قال: فإذا هو في قبضة الله، قال: فقال الله له: ما حملك على ما صنعت؟ قال: مخافتك، قال: فغفر الله له»([5]). ومن الأحاديث ما رواه ابن عمر عن النبي r قال: «بني الإسلام على خمسة: على أن يوحد الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، والحج». فقال رجل: الحج وصيام رمضان؟ قال: لا، صيام رمضان والحج، هكذا سمعته من رسول الله r([6]).

وحول سؤال الأخ السائل عما إذا كان قد ثبت عن الإمام أبي حنيفة تقسيم التوحيد إلى أقسام، فإن الجواب عليه مما يطول، فالإمام أبو حنيفة نظر إلى التوحيد في شموله وعمومه، وجاء تقسيم التوحيد فيما ورد في (الفقه الأكبر)، فحول توحيد الربوبية حاج في أهل الكلام بالعقل فلما قالوا له ما قالوا في هذا التوحيد، قال لهم: أخبروني قل أن نتكلم في هذه المسألة عن سفينة في دجلة تذهب فتمتلئ من الطعام والمتاع وغيره بنفسها وتعود بنفسها فترص بنفسها وتتفرغ بنفسها، وترجع كل ذلك من غير أن يدبرها أحد، فقالوا: هذا محال لا يمكن أبدًا فقال لهم: إذا كان هذا محالًا في سفينة، فكيف في هذا العالم كله علوه وسفله([7]).

وفي تقريره لتوحيد الربوبية والألوهية، جاء في الفقه الأكبر: إن الله ابتدأ في الفاتحة بالحمد لله رب العالمين، يشير إلى تقرير توحيد الربوبية، المترتب عليه توحيد الألوهية، المقتضي من الخلق تحقيق العبودية، وهو ما يجب على العبد أولًا من معرفة الله، فيلزم من توحيد العبودية تحقيق الربوبية، دون العكس في القضية، يقول الله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: 25]([8]).

وفي تقرير لتوحيد الأسماء والصفات، يقول الإمام: إن الله لا يشبه شيئًا من الأشياء من خلقه، ولا يشبهه شيء من خلقه، لم يزل ولا يزال بأسمائه وصفاته الذاتية والفعلية.

وقد ورد تقسيم التوحيد في كتاب العقيدة الطحاوية، وهو أحد كتب في المذهب الحنفي، ففي شرحها للإمام القاضي علي بن أبي العز الدمشقي: ذكر أن التوحيد يتضمن ثلاثة أنواع: الأول الكلام في الصفات، وهو أن نفاة الصفات أدخلوا نفي الصفات في مسمى التوحيد. كالجهم بن صفوان ومن وافقه، فقالوا: إن إثبات الصفات يستلزم تعدد الواجب، وهذا القول غاية الفساد.

وأما النوع الثاني: فتوحيد الربوبية كالإقرار بأن الله خالق كل شيء، وأنه ليس للعالم صانعان متكافئان في الصفات والأفعال، وهذا التوحيد حق لا ريب فيه، وهو الغاية عند كثير من أهل النظر والكلام، وطائفة من الصوفية، ولم يذهب إلى نقيض هذا طائفة معروفة من بني آدم… وأشهر من عرف بتجاهله وتظاهره بإنكار الصانع فرعون، وقد كان متيقنًا به في الباطن، كما قال عنه وقومه: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل: 14]([9]).

النوع الثالث: توحيد الإلهية: هو التوحيد الذي دعت إليه الرسل، ونزلت به الكتب، وهو عبادة الله وحده لا شريك له، فإن المشركين كانوا يقرون بتوحيد الربوبية، وأن خالق السماوات والأرض واحد، كما أخبر الله عنهم بقوله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُون} [لقمان: 25]، وقوله تعالى: {قُل لِّمَنِ الأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَذَكَّرُون} [المؤمنون: 84-85]، ولم يكونوا يعتقدون في الأصنام أنها مشاركة له في العالم، بل كان حالهم فيها كحال أمثالهم من مشركي الأمم([10]).

وحاصل المسألة جوابا للأخ السائل: أن لفظ (التوحيد) مشتق من (وحد) (يوحد) لم يرد في القرآن الكريم بهذا اللفظ، بل ورد لفظ (الواحد) و(الأحد)، أما في السنة فقد ورد في عدد من الأحاديث بلفظ (التوحيد)، وتقسيم التوحيد إلى توحيد الربوبية والألوهية والأسماء والصفات لم يرد في كتاب (الفقه الأكبر) للإمام أبي حنيفة بهذا التقسيم، بل ورد بهذا المعنى، ولكنه أي التقسيم ورد في الطحاوية وشرحها، وهي من أهم كتب العقيدة في الفقه الحنفي.

 

([1]) المعجم الوسيط ج 1 ص 1016.

([2]) المعجم الوسيط ج 1ص 1016.

([3]) أخرجه الترمذي في كتاب صفة جهنم عن رسول الله r ، باب ما جاء أن للنار نفسين، وما ذكر من يخرج من النار من أهل التوحيد برقم (2597)، قال الألباني في صحيح الجامع: (٨١٠٣): صحيح.

([4]) أخرجه الترمذي في كتاب الإيمان، باب ما جاء فيمن يموت وهو يشهد أن لا إله إلا الله برقم (2638)، صححه البغوي في شرح السنة، (١/١١٧).

([5]) أخرجه الإمام أحمد في مسنده ج1 ص 397، قال شعيب الأرنؤوط في تخريج المسند لشعيب (٣٧٨٥): صحيح لغيره.

([6]) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام برقم (16).

([7]) شرح كتاب الفقه الأكبر، للإمام أبي حنيفة، مع شرحه للملا علي القاري الحنفي ص 14.

([8]) شرح كتاب الفقه الأكبر، للإمام أبي حنيفة، مع شرحه للملا علي القاري الحنفي ص 25.

([9]) شرح العقيدة الطحاوية ص 24- 26.

([10])     شرح العقيدة الطحاوية ص 29.