سؤال من الأخ ب… خ… من الجزائر يقول فيه: كثير من الناس يتهاون في الصلاة، وبعضهم يتركها بالكلية، فما حكم هؤلاء؟ وما الواجب نحوهم، وبالأخص الأقارب كالولد والوالد والزوجة؟.

حكم من يتهاون في الصلاة أو يتركها بالكلية.

والجواب: أن الله عظَّم أمر الصلاة فأمر بإقامتها في أوقاتها في آيات كثيرة من كتابه الكريم، منها قوله تعالى: {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِين}([1]). وقوله عزوجل: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى}([2]). وقوله عز من قائل: {فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا}([3]). وقوله تقدست أسماؤه: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَة}([4]).

وكما عظَّم الله أمرها عظّم عقوبة تاركها، والترك له صفتان: ترك نتيجة جحود، وترك نتيجة تهاون وإهمال.

فالترك نتيجة الجحود يخرج من الملة؛ ذلك أن الصلاة ركن من أركان الإسلام معلوم من الدين بالضرورة، فمن جحد هذا الركن فقد خرج من ملة الإسلام. والأصل فيه قول رسول الله ﷺ: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)([5]). وقوله -عليه الصلاة والسلام-: (بين العبد وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)([6]). وجمهور السلف متفقون على هذا، فقد ذكر الإمام ابن حزم ما يلي: (وقد جاء عن عمر، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل، وأبي هريرة، وغيرهم من الصحابة -رضوان الله عليهم- أن من ترك صلاة فرض واحدة متعمدًا حتى يخرج وقتها فهو كافر)([7]).

وأما من ترك الصلاة نتيجة تهاون وإهمال دون جحود، ففيه خلاف فهناك من يقول بكفره، واستدل على ذلك بظاهر الأحاديث التي تقول بكفر تارك الصلاة، وهناك من يقول بفسقه ومعصيته، ويستدل على ذلك بعدة حجج، منها ما رواه عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- أن رسول الله ﷺ قال: (خمس صلوات افترضهن الله تعالى، من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن، وأتم ركوعهن وخشوعهن، كان له على الله عهد أن يغفر له، ومن لم يفعل فليس له على الله عهد، إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه)([8]).

ومنها حديث: (يخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان)([9]). ومن هذه الحجج المناظرة التي تمت بين الإمامين الشافعي وأحمد، فقد ناظر الإمام أحمد الشافعي في تارك الصلاة فقال له الإمام الشافعي: يا أحمد أتقول إنه يكفر؟ قال: نعم. قال: إذا كان كافرًا فبم يسلم؟ قال: يقول لا إلَه إلا الله محمد رسول الله، قال: الرجل مستديم لهذا القول لم يتركه، قال: يسلم بأن يصلي، قال الشافعي: صلاة الكافر لا تصح ولا يحكم بالإسلام بها. فانقطع أحمد وسكت([10]).

قلت: وأيًا كان هذا القول أو ذاك فإن التهاون في الصلاة والتكاسل عنها كبيرة وإثم عظيم، فقد وصف الله المنافقين بأنهم يتكاسلون في الصلاة، فقال عز وجل: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى}([11]). وقال تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى}([12]).

فوجب على المسلم وجوب عين أن يؤدي الصلاة في أوقاتها المعلومة؛ ليحصل له بذلك الأجر العظيم، ويسلم من عذاب الله، وأليم عقابه.

وعلى الأخ في السؤال أن يذكّر أقاربه: ولده ووالده وزوجه ومن تحت يده أن من يترك الصلاة جاحدًا لوجوبها، يعد مرتدًا خارجًا عن ملة الإسلام، ومن كان هذا شأنه فقد خسر آخرته؛ لقول الله عزوجل: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين}([13]).

وأن من يتركها تهاونًا وتكاسلًا يكون وصفه وصف المنافقين، وفي عداد الذين وعدهم الله (بالويل) وهو وادٍ في جهنم في قوله عز وجل: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّين}([14]). {الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُون}([15]).

وعلى الأخ السائل أيضًا أن يجتهد مع أقاربه في التذكير والموعظة، فإن هم أطاعوه فبها ونعمت، وإن هم أصروا فعليه مجانبتهم ما أمكنه ذلك.

والله المستعان.

([1]) سورة البقرة من الآية 43.

([2]) سورة البقرة من الآية 238.

([3]) سورة النساء من الآية 103.

([4]) سورة البينة الآية 5.

([5]) أخرجه الترمذي في كتاب الإيمان، باب ما جاء في ترك الصلاة، سنن الترمذي، ج5 ص15، برقم (2621)، صححه الألباني في صحيح الترمذي، (٢٦٢١).

([6]) أخرجه الترمذي في كتاب الإيمان، باب ما جاء في ترك الصلاة، سنن الترمذي، ج5 ص14، برقم (2619)، صححه الألباني في صحيح الترمذي، (٢٦19).

([7]) المحلى بالآثار، ج1 ص15.

([8]) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب في المحافظة على وقت الصلاة، سنن أبي داود، ج1 ص115، برقم (425)، صححه الألباني في صحيح أبي داود، (٤٢٥).

([9]) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب تفاضل أهل الإيمان في الأعمال، فتح الباري، ج1 ص91، برقم (22)، وأخرجه مسلم بلفظ: “لا يدخل النار أحد في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان”، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم للأبي، ج1 ص332، كتاب الإيمان، باب تحريم الكبر وبيانه، برقم (91).

([10]) طبقات الشافعية الكبرى لتاج الدين السبكي، ج1 ص294، وقال السبكي: “حكى هذه المناظرة أبو علي الحسن بن عمار من أصحابنا وهو رجل موصلي، من تلامذة فخر الإسلام الشاشي”.

([11]) سورة النساء من الآية 142.

([12]) سورة التوبة من الآية 54.

([13]) سورة آل عمران من الآية 85.

([14]) سورة الماعون الآية 4.

([15]) سورة الماعون الآية 5