سؤال من الأخ بشير من الجزائر، يقول: ما حكم استئجار أرحام النساء من أجل الحمل والولادة؟

حكم استئجار الأرحام

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فقد انتشرت ظاهرة تأجير الرحم في البلدان الغربية تحت حجج كثيرة منها: ما تدعو الحاجة إليه من مرض رحم المرأة وعجزها من الحمل في هذه الرحم، ومنها: ما تدعو الحاجة إليه من تلاقي مصاعب الحمل خاصة المرأة التي تعمل، مما لا تستطيع معه تحمل هذه المصاعب، وأن الحل في اللجوء إلى ما يسمى (الرحم البديل) والسؤال هو عما إذا كان هذا التأجير يتوافق مع شرعنا.

والجواب عن هذا من وجهين:

 الوجه الأول: التحريم من جهة الشرع: والأصل فيه قول الله – تعالى-: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: 31] وقوله تعالى: { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ *فَمَنِ ابْتَغَىٰ وَرَاءَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [النور: 5-7]، فدل هذا على وجوب حفظ النساء لفروجهن، وعدم شغل هذه الفروج إلا بما أباحه الله، وفي استئجار الرحم البديل ينتفي هذا الحفظ، والأصل فيه أيضًا أن الله خلق الرحم للإنجاب في قوله – تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} [النساء: 1] فوظيفة الرحم لهذا الغرض وليس لتأجيرها، كما أن الله خلق الرحم لاستمتاع الزوج بزوجته واستمتاعها به، في علاقة شرعية مبنية على عقد ونكاح صحيحين، وفي تأجير الرحم مخالفة واضحة لهذا الخلق، والأصل أيضًا في التحريم أن الفروج ليست للاتجار، فهذا مناف لحكمة الله؛ ولهذا حرم الله الزنى وبين عقوبته؛ لما ينتج منه من اختلاط الأنساب، وتحطيم كرامة المرأة وتحولها إلى سلعة تتداولها الأيدي، ومن الأدلة على التحريم وجود شبهة قوية في اختلاط الأنساب، ومن ذلك أن زوج المرأة الحاملة للبييضة الملقحة سوف يطأ زوجته وهي تحمل هذه البييضة، وسوف يتغذى الجنين من مائه كما يتغذى من مائها، فلا يجوز لحامل أن تباشر زوجًا غير زوجها حتى تلد؛ لما روي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يحل لأمرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره)([1]).

 الوجه الثاني: التحريم من جهة العقل: فهذا الولد الذي ولد من هذه البييضة الملقحة كيف يكون وضعه العقلي والنفسي؟ فهل يرى أن أمه هي التي تغذى منها وحملته في بطنها تسعة أشهر؟ أم هل يرى أن أمه هي التي لم تحمله ولم تتعايش معه في رحمها. فهذا الولد لن يعرف من هي أمه الحقيقية، وهذا سوف ينعكس عليه في كبره ومختلف حياته.

وأسباب التحريم في هذا كثيرة أشرنا إلى خلاصتها، فهذا الاستئجار يعد محرمًا، وقد صدر قرار مجمع البحوث الإسلامية في مصر بتحريمه بقوله: (لا يجوز شرعًا أن تستنبت المرأة في رحمها بييضةً من امرأةٍ أخرى مخصبة؛ سواء كانت مخصبةً من زوجها أو من غيره، وسواء كانت صاحبة البييضة امرأة أجنبية أو قريبة أو ضرة تشترك معها في الزوج نفسه) كما أصدر قرار المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الخامسة سنة 1402هـ بتحريم هذا الأسلوب من أساليب التلقيح.

والحاصل: جوابًا للأخ السائل تحريم استئجار الرحم.

والله – تعالى- أعلم.

 

[1] – أخرجه أبوداود برقم (2158)، حسنه الألباني في صحيح أبي داود، (٢١٥٨).