الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فظاهر سؤال الأخ أن والده اكتسب ماله من تزوير الأوراق، ومن المعلوم أن أمر المال الحرام أمر عظيم؛ لما ينتج منه من الظلم وإفساد الذمم والتجاور على حدود الله؛ فالعبد مقيد بألا يكتسب من المال إلا ما كان طيبًا؛ لقول الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ)(البقرة:172)، وقول رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلَّا كَانَتْ النَّارُ أَوْلَى بِهِ)([1]) وقوله -عليه الصلاة والسلام- في الذي يدعو وماله حرام : ( الرَّجلَ يُطيلُ السَّفرَ أشعثَ أغبرَ يمدُّ يدَه إلى السَّماءِ: يا ربِّ يا ربِّ، ومطعمُه حرامٌ ومشربُه حرامٌ وملبسُه حرامٌ وغذِّيَ بالحرامِ. فأنَّى يستجابُ لذلِك)([2]) وفي هذا استبعاد لإجابة الداعي؛ لأنه عصى الله فأحل ما حرمه عليه ، والمال الحرام يتأتى من الظلم، كالغصوب والسرقة والرشاوى والاختلاس والانتهاب والتزوير، ونحو ذلك مما حرمه الله على عباده، في محكم كتابه، وفي سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
هذا في عموم المسألة، أما عن سؤال الأخ، فالأصل أن مال المورث يحل لوارثه إذا لم يكن هذا الوارث يعلم عن حرمته، هذا هو الأصل، ولا خلاف فيه بين العلماء،([3]) أما إذا كان الوارث يعلم أن مال مورثه حرام، فله حالتان: إن كان مورثه غصب شيئًا بعينه، كالمنزل أو الأرض أو أي جزء من المال محل الإرث وجب عليه رده، ويحل له ما بقي من المال، أما إن كان يعلم أن المال كله حرام وجب عليه التصدق به، وهذا من باب الإحسان إلى مورثه لإبراء ذمته؛ لأنه لا محالة من محاسبته يوم ترد المظالم إلى أهلها، فيؤخذ من حسناته، فإن لم يكن له حسنات طرحت عليه سيئات من ظلمه؛ لما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: إن المفلس من أمتي، من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإذا فنيت حسناته، قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار )([4]).
فالحاصل جوابًا للسؤال أن ورثة الميت -إن كانوا يعلمون أن جزءًا من مال المورث حرام- وجب عليهم رده إلى صاحبه أو أصحابه، فإن كانوا يعلمون أن كل المال حرام وجب التصدق به؛ رحمة بمورثهم والإحسان إليه. و نرجو الله أن يعفو عنه وعن كل عباده، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
والله – تعالى- أعلم.
[1] رواه الترمذي برقم (614) وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (2609).
[2] رواه مسلم (1015).
[3] “حاشية ابن عابدين” (5/104) – “المجموع” (9/428) – “إحياء علوم الدين” (2/210) – “الإنصاف” (8/323) – “الفتاوى الكبرى” (1/478).
[4] رواه مسلم (2581).