سؤال من الأخ بشيري‮ ‬ل‮ … ‬من الـجزائر‮، ‬يسأل عن فضل التوحيد‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

فضل التوحيد‬‬‬‬‬‬‬‬‬

الجواب: من المعلوم أن لكل عمل جزاء؛ فالعامل (ولله المثل الأعلى) حين يعمل يجزى لقاء عمله، والمجاهد يجزى كذلك لقاء جهاده، وكل من يعمل عملاً يجزى عليه حسب طبيعته.

والتوحيد أمر اعتقادي وعملي؛ فالاعتقادي هو الإيمان المطلق بوحدانية الله في ربوبيته، وألوهيته، وأسمائه وصفاته. والعملي هو القيام بكل ما يفرضه هذا الاعتقاد من أحكام وواجبات؛ فعندما يؤمن العبد بوحدانية الله في ربوبيته، يجب أن يؤمن بأن الله وحده هو القادر، والرازق، والمدبر، والمتصرف في شؤون خلقه. وعندما يؤمن بوحدانيته في ألوهيته، يجب أن يؤمن بأنه ليس في الوجود إلَه يعبد بحق إلا هو؛ فيوجه إليه صلاته ونسكه وسائر عباداته. وعندما يؤمن بوحدانية الله في أسمائه وصفاته، يجب أن يؤمن بأن كل تشبيه له أو تمثيل له بأحد من خلقه، أو بأي صفة خلاف ما وصف به نفسه، يعد ضلالاً وكفراً، وهكذا.

فإذا فعل العبد هذا استحق الجزاء عليه، وفي هذا قال الله عز وجل:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً

طيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون} [النحل:79]. {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى*وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى *ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الأَوْفَى }

[النجم:39–41].{فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه} [الزلزلة:٧]. وفي الحديث القدسي:(يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه)([1]).

وكلمة التوحيد ذات فضل عظيم فهي لصاحبها نجاة في الآخرة، وعصمة في الدنيا إذا قالها مؤمناً ومخلصاً بها من قلبه، وعمل بمقتضاها. فأما نجاته في الآخرة؛ ففي حديث عبادة بن الصامت  أن رسول اللهr  قال:(من شهد ألا إلَه إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وعيسى عبدالله، وابن أمته، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق، وأن النار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل)([2]). وفي حديث أنس  أن رسول الله r قال:(قال الله عز وجل:وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إلَه إلا الله)([3]).

وأما عصمته في الدنيا، ففي حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول اللهr  قال:(أُمِرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إلَه إلا الله وأن محمداً رسول الله. ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله تعالى)([4]). وفي حديث ابن أشيم أن رسول اللهr   قال:(من قال:لا إلَه إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه. وحسابه على الله)([5]). وفي حديث المقداد بن الأسود  قال:قلت لرسول الله r أرأيت إن لقيتُ رجلاً من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يديَّ بالسيف فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة، فقال:أسلمتُ لله. أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ قال رسول الله r :(لا تقتله)، قال فقلت:يا رسول الله إنّه قطع يدي، ثم قال ذلك بعد ما قطعها، أفأقتله؟ قال رسول الله r:(لا تقتله، فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال)([6]).

وقد ذكر الإمام ابن القيم فضل التوحيد ومنافعه، فهو كما قال:«التوحيد مفزع أعدائه وأوليائه:فأما أعداؤه فينجيهم من كرب الدنيا وشدائدها {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُون} [العنكبوت:56].

وأما أولياؤه فينجيهم به من كربات الدنيا والآخرة وشدائدها، ولذلك فزع إليه يونس فنجاه الله من تلك الظلمات، وفزع إليه أتباع الرسل فنجوا به مما عذب به المشركون في الدنيا وما أعد لهم في الآخرة، ولما فزع إليه فرعون عند معاينة الهلاك وإدراك الغرق له لم ينفعه؛ لأن الإيمان عند المعاينة لا يقبل . هذه سنة الله في عباده، فما دفعت شدائد الدنيا بمثل التوحيد. ولذلك كان دعاء الكرب بالتوحيد، ودعوة ذي النون التي ما دعا بها مكروب إلا فرج الله كربه بالتوحيد، فلا يلقي في الكرب العظام إلا الشرك، ولا ينجي منها إلا التوحيد، فهو مفزع الخليقة وملجؤها وحصنها وغياثها»([7]).

قلت: هذا هو فضل التوحيد لأصحابه وما يجزون به، ولكن ينبغي معرفة أن الجزاء عليه، أو على أي عمل صالح ليس حدًّا فاصلاً بين مكافئ ومستحق للمكافأة؛ فالأجير (ولله المثل الأعلى) يستحق من آجره أجره على سبيل المكافأة، والمبادلة حسب مصلحة كل منهما؛ فهذا يعطي بقدر ما أخذ، وذاك يأخذ بقدر ما أعطى . أما في جانب الله فالحال مختلف تماماً ؛ فما يعمله العبد يبقى دائماً في صالحه هو فحسب؛ لأن الله ليس في حاجة له {وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيم}[النمل:40]. {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ  [فصلت:46] . {مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُون}[الذاريات:75] . وفي الحديث القدسي:(يا عبادي! لو أنّ أوّلكم وآخرَكم، وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم . ما زاد ذلك في مُلْكي شيئاً ..)([8]). وما يعمله العبد ينبغي أن يكون على سبيل التذلل لله، والخضوع له، ورجاء ما عنده، فإن كان عمله على سبيل المنفعة الدنيوية حبط من أساسه، فالذين يدعون الله ويوحدوه عند ركوبهم البحر، ثم يشركون به بعد وصولهم إلى البر لا ينفعهم هذا التوحيد؛ لأن توحيدهم ودعاءهم كان لمنفعتهم في الدنيا{فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُون*لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُون} [العنكبوت:56– ٦٦] .

وفي كل الأحوال فإن المنة لله بما ينعم به على عباده من توفيقهم لتوحيده وطاعته؛ لأنهم في حاجة إليه وهو ليس في حاجة إليهم. ولما مَنَّ الأعراب من بني أسد بن خزيمة على رسول الله  وقالوا له:أتيناك بالأثقال والعيال، ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان، أنزل الله فيهم {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لاَّ تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلاَمَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِين}  [الحجرات:71]([9]).

وخلاصة المسألة:أن التوحيد أمر اعتقادي وعملي ؛ فالاعتقادي هو الإيمان المطلق بوحدانية الله في ربوبيته، وألوهيته، وأسمائه، وصفاته. والعملي هو القيام بكل ما يفرضه هذا الاعتقاد من أحكام وواجبات؛ فإذا فعل العبد هذا استحق الجزاء عليه.

وكلمة التوحيد ذات فضل عظيم؛ فهي لصاحبها نجاة في الآخرة، وعصمة في الدنيا إذا قالها مؤمناً ومخلصاً بها من قلبه، وعمل بمقتضاها. فأما نجاته في الآخرة فإن من شهد ألا إلَه إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، أدخله الله الجنة، كما ورد في الحديث. وأما عصمته في الدنيا؛ فإن من شهد ألا إلَه إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، فقد عصم دمه وماله، إلا بحقه.

([1])        جزء من حديث طويل أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم للأبي ج٨ ص٢٣٥-٤٣٥ .

([2])        أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب الدليل على أنّ من مات على التوحيد دخل الجنة قطعاً، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم ج١ ص٣٩١-٧٩١ ، رقم الحديث (٦٤) .

([3])        جزء من حديث طويل أخرجه البخاري في كتاب التوحيد، باب كلام الربّ عز وجل يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم، فتح الباري ج٣١ ص١٨٤-٢٨٤، ورقمه (٠١٥٧) .

([4])        أخرجـه مسـلم في كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولـوا لا إلَه إلا الله محمد رسول الله. صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم ج١ ص٠٨١، ورقم الحديث (٦٣).

([5])        أخرجـه مسـلم في كتاب الإيمان، باب الأمـر بقتال الناس حتى يقولوا لا إلَه إلا الله محمد رسول الله. صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم ج١ ص٠٨١، ورقم الحديث (٧٣).

([6])        أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب تحريم قتل الكافر بعد قوله: لا إلَه إلا الله، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم ج١ ص٦٣٣-٩٣٣، ورقم الحديث (٥٥١).

([7])        الفوائد للإمام ابن القيم ص٢٦ .

([8])        أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم ج٨ ص٣٣٥، ورقم الحديث (٥٥) .

([9])        انظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير ج٤ ص٠٢٢-١٢٢ .