سؤال‮ ‬من الأخ بشيري‮ ‬بحضر من الجزائر عن المحارب الذي‮ ‬يتوب من حرابته، وما إذا كانت هذه التوبة تقبل منه‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

حكم توبة المحارب

الحرابة: التعدي مجاهرة على الغير بالقتل، أو أخذ المال، أو التعدي على العرض، ونشر الرعب في الطريق البعيد عن الغوث، وذلك باستخدام القوة.

وتعد الحرابة من الكبائر؛ لما فيها من التعدي على حدود الله وحرماته، وقد عظم الله أمر مرتكبها، فسماه محاربًا له ولرسوله، وساعيًا في الأرض بالشر والفساد، بدليل الكتاب والسنة.

أما الكتاب: فقول الله -تعالى-: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيم} [المائدة:33].

وأما السنة: فقول رسول الله -ﷺ-: «من حمل علينا السلاح فليس منا»([1]).

وقد أجمع الفقهاء على أن عقوبة المحارب حد من حدود الله، والأصل في ذلك ما رواه أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن نفرًا من عكل قدموا على رسول الله -ﷺ- ، فبايعوه على الإسلام، فاستوخموا المدينة، وسقمت أجسامهم، فشكوا ذلك إلى رسول الله -ﷺ- ، فقال: «ألا تخرجون مع راعينا في إبله، فتصيبوا من أبوالها وألبانها؟»، فصحُّوا، فقتلوا الراعي، وطردوا الإبل، فبلغ ذلك رسول الله -ﷺ- ، فبعث في آثارهم، فأُدركوا، فجيء بهم، فقطعت أيديهم وأرجلهم .. الحديث([2]).

وتسقط عقوبة المحارب من القتل والصلب والقطع والنفي إذا تاب عن فعله قبل القدرة عليه([3])؛ استدلالًا بقول الله -تعالى-: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيم} [المائدة:43]، ويبقى عليه القصاص من النفس والجراحات والمال، ودفع الدية لما ليس فيه قصاص.

والعلة في إسقاط العقوبة عنه: أنه جاء تائبًا لله، نادمًا على فعله، والله يقبل توبة عباده إذا أخلصوا فيها؛ لقوله -عز وجل-: {فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيم} [المائدة:93]، وقول رسوله محمد -ﷺ-: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له»([4])، ناهيك أن في إسقاط العقوبة عنه دفعًا له إلى الرجوع عن فساده، وترغيبًا لغيره من أمثاله في التوبة.

أما من تاب بعد القدرة عليه فيبقى على استحقاقه للجزاء؛ لأن توبته لا تعد خالصة لله، بل قد تكون من الخشية من العقوبة.

وحاصل المسألة: أن المحارب إذا تاب قبل القدرة عليه سقطت عنه العقوبة العامة، فيبقى عليه القصاص في النفس والجراحات، ودفع الدية لما ليس فيه قصاص، ولا تسقط عقوبته بالتوبة بعد القدرة عليه.

والله تعالى أعلم

 

([1]) أخرجه البخاري في كتاب الفتن، باب قول النبي -ﷺ-: «من حمل علينا السلاح فليس منا»، برقم (7070)، صحيح البخاري مع فتح الباري ج 13 ص 26.

([2]) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها، برقم (233)، صحيح البخاري مع فتح الباري ج1 ص 400.

([3]) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني ج7 ص96، وبداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد القرطبي ج2 ص457، وروضة الطالبين وعمدة المفتين للإمام النووي ج10 ص158، والمغني لابن قدامة ج12 ص483.

([4]) أخرجه ابن ماجة في كتاب الزهد، باب ذكر التوبة، برقم (4250)، حسنه الألباني في صحيح ابن ماجه، (٣٤٤٦).