سؤال من الأخ: بشير، من الجزائر، يقول: ما رأيكم في التصوف والطرق الصوفية؟ هل الممارسات التي تنتشر بين الطرق الصوفية لها أصل في شريعتنا الإسلامية؟

الصوفية وما قيل عنها

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فمن المعلوم أن التصوف نشأ من عباد أرادوا الزهد في متع الدنيا وزخارفها، فجعلوا لباسهم وطعامهم وشرابهم تقشفًا وزهدًا، فكانوا يلبسون الصوف لخشونته فسموا باسمه، وربما كان هذا السلوك نتاج ما كان يحدث في إحدى مراحل بعض بلاد المسلمين، ومع مرور الوقت انقلب التصوف إلى ما يشبه الملة أو المذهب أو الطريقة، فتحول التصوف إلى فعل لم يرده الذين تصوفوا، هذا من جهة، ومن جهة أخرى هناك حقيقة لا يستطيع أحد نكرانها وهي الصراع بين الناس وكيدهم لبعضهم، ومحاولة هذا الفريق لإفساد الفريق الآخر بشتى الطرق والوسائل؛ ولأن دين الإسلام خاتم الرسالات وأنه الدين الحق فقد أصبح هدفًا للصراع وللتفسير والتأويل خلاف حقيقته، وما أنزل الله فيه من الهداية للإنسان.

قلت: هذه مقدمة وجيزة عن نشأة التصوف، أما الحديث عن الصوفية وتدرجها من مرحلة إلى أخرى فهذا مما يطول.

هذا في عموم المسألة، أما عن سؤال الأخ عن حكم التصوف فله حالتان:

الأولى: إن كان المراد من التصوف كثرة العبادة والبعد عن زخارف الدنيا وغرورها ومفاتنها، فهذا مما يبتغيه المسلم في سلوكه، مادام أنه في الحياة الدنيا، على أن يكون سلوكه هذا وسطًا، فالإسلام ليس فيه رهبانية؛ لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي قلابة عبدالله بن زيد -رضي الله عنه-: إنَّ عثمانَ بنَ مظعونٍ اتَّخذ بيتًا فقعد يتعبَّد فيه، فبلغ ذلك النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-، فأتاه فأخذ بعَضادَتي بابِ البيتِ الذي هو فيه، فقال: ((يا عثمانُ، إنَّ اللهَ لم يبعثْني بالرَّهبانيَّةِ، (مرتين أو ثلاثًا)، وإنَّ خيرَ الدِّينِ عند اللهِ الحنيفيةُ السمحةُ))([1]). وقد أكد -عليه الصلاة والسلام- ذلك لما جاءه نفر فقالوا: نصوم ولا نفطر، ونصلي ولا نرقد، ونعتزل النساء، فدلهم -عليه الصلاة و السلام- إلى الهدي الصحيح بقوله في حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-: ((أَمَا واللَّهِ إنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وأَتْقَاكُمْ له، لَكِنِّي أصُومُ وأُفْطِرُ، وأُصَلِّي وأَرْقُدُ، وأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فمَن رَغِبَ عن سُنَّتي فليسَ مِنِّي))([2]).

الحالة الثانية: إن كان المراد من التصوف الميل عن حقيقة الإسلام بابتداع أحكام وقواعد ما أنزل الله بها من سلطان فهذا مما حرمه الله، والأمثلة في ذلك كثيرة منها طلب الشفاعة من أصحاب القبور، وهو ما يحدث للأسف عند بعض أتباع الطرق. ومنها تصور ما لا يمكن قبوله حسًّا ومعنى كالحكايات والأساطير التي تمجد هذه الطريقة وتلك. ومن هذه الأمثلة الرقص والتمايل ودق الطبول والسهر في الليل، والقعود عن العمل في النهار، ونحو ذلك مما هو معلوم.

ولا شك في أن هؤلاء العامة في عملهم هذا يبتغون الفضل من ربهم، لكنهم لم يتبعوا المنهج الصحيح في ذلك؛ بفعل تراكم الأحداث في الزمان، وغياب العلماء عن بيان هذا المنهج.

فالواجب على العلماء تصحيح مسار بعض الطرق وتحذير أتباعها من العامة، من الشركيات والحكايات التي لا أصل لها في الدين، على أن يكون هذا التصحيح بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالحسنى والرفق. وهذا العمل مما يتطلب الجهد والصبر والقول بالحسنى؛ لقول الله -عز وجل-: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ [البقرة: 83]، وقوله -عز ذكره-: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا﴾ [الإسراء: 53].

والله -تعالى- أعلم.

([1]) أخرجه ابن سعد في الطبقات، (3/302)، وصححه الألباني بشواهده في السلسلة الصحيحة، برقم: (‌‌1782)، (4/385-388).

([2]) أخرجه البخاري، كتاب: النكاح، باب: الترغيب في النكاح، برقم: (5063)، (7/2)، ومسلم، كتاب: النكاح، برقم: (1401)، (4/129).