الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، أما بعد:
فالواضح من سؤال الأخ أن بنته تعمل في أحد البنوك في بلاده، وقد أشكل عليه ما إذا كان عملها جائز أم لا، فاستفتى الجهات الشرعية فأفتته أن عملها في البنوك جائز.
ولعل من المهم إيضاح مسألة تردد المستفتي في قبول الجواب على ما سأل عنه.
فالواجب في هذا الأمر أن المستفتي إذا ذهب إلى إحدى الجهات الشرعية فأفتته عما سأل عنه، فالواجب تصديق هذه الجهة؛ لأن المفترض أنها لا تصدر فتوى إلا عن علم، ومع أنها قد تختلف مع جهة أخرى فيما أفتت فيه؛ إلا أن قبول فتواها مما يدرأ الخلاف.
وإذا لجأ المستفتي إلى سؤال الجهات الأخرى فلن تنتهي مشكلته، فالمهم أن يكون المستفتي قد استفتى جهة علمية شرعية.
هذا في عموم المسألة، أما عن سؤال الأخ فالربا محرم في كل صوره وأشكاله، وهذا مما يعلمه المسلم من دينه بالضرورة مما هو معلوم في كتاب الله وفي سنة رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- فالأصل فيه التحريم وفي هذا قال الله عزوجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِ} [البقرة: 278-279]. وأما في السنة فقد لعنَ رسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- آكلَ الرِّبا وموكلَهُ وشاهديْهِ وَكاتبَه([1]).
وكما حرم الله الربا حرم الأكل من الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله في قوله جل في علاه : {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [المائدة: 3]. ورحمة منه لعباده استثنى من التحريم ما يتعلق بحاجة النفس والمحافظة عليها فأباح الأكل والشرب مما حرم في حالة الضرورة فإذا لم يجد العبد لحفظ نفسه إلا الأكل من هذه المحرمات جاز له ذلك إلى أن يجد ما يغنيه عنها من الطيبات ويقاس على هذا حالة العامل في البنك فإذا لم يجد غير هذا العمل فيكون في حالة اضطرار وهذه الحالة تقدر بقدرها والمهم في هذا أن تكون نيته حفظ نفسه ومن يعول وألا يكون مستحلا للربا وأن تكون غايته ونيته الأكل من الطيبات في حال القدرة عليه.
والله تعالى أعلم
[1] – أخرجه أبو داود برقم (3333)، والترمذي برقم : (1206) واللفظ له، وابن ماجه برقم: (2277) وقال الألباني في صحيح الترمذي برقم : (1206) صحيح .