المشابهة في اللغة: الاشتراك بين شيئين في معنى من المعاني، فإذا تشبه المرء بآخر فقد شاركه في صفة من صفاته، ومن ذلك: ما إذا تشبه بقوم أو طائفة، أو جاراهم في سلوكهم أو عقيدتهم أو شأن من شؤونهم، عُدَّ منهم أو مثلهم، والمشابهة في الاصطلاح على نحو ما هو في اللغة.
والأصل في الإسلام: أنه لا يجوز للمسلم أن يتشبه بغير المسلمين، سواء كان هذا التشبه في اللباس أم في المآكل أم في المشارب أم في الأعياد أم في السلوك بوجه عام، فإذا كان هذا التشبه يراد به الاعتقاد أخرج صاحبه من الملة، أما إن كان يراد به التقليد فلا يجوز، إلا إذا كان مما تتفق فيه العادات أو التقاليد، التي قد تكون مشتركه بين الإنسان أنّى كان اعتقاده، ومن ذلك: التشابه في المطاعم والملابس ونحوها، فهذا جائز؛ لأن الأصل فيه النية.
وتحريم تشبه المسلم بغير المسلمين بني على سنة رسول الله -ﷺ- من قوله: «من تشبه بقوم فهو منهم»([1]). ومن فعله -عليه الصلاة والسلام- الأمر بمخالفة المشركين وأهل الكتاب.
أما المشركون: فكانوا يدفعون من عرفة قبل غروب الشمس حتى تكون على رؤوس الجبال، وكانوا يقولون: أشرقْ ثَبِيرُ كيما نغير. فخالفهم-عليه الصلاة والسلام-، فدفع من عرفة بعد غروب الشمس، وخالف المشركين في الإفاضة من المشعر الحرام، فقد كانوا يفيضون عند طلوع الشمس، فأفاض -عليه الصلاة والسلام- قبل طلوع الشمس([2]).
وأما مخالفته لأهل الكتاب فقد ورد في الصحيح: أن المسلمين حين قدموا المدينة كانوا يجتمعون يتحينون الصلاة، وليس ينادي بها أحد، فتكلموا يومًا في ذلك، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوسا مثل ناقوس النصارى. وقال بعضهم: اتخذوا قرنا مثل قرن اليهود. فقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: أفلا تبعثون رجلًا ينادي بالصلاة ؟، فقال رسول الله-ﷺ-: «يا بلال! قم فناد بالصلاة»([3]). وما كان -عليه الصلاة والسلام- يأبى ما وصف له من المناداة للصلاة بالبوق والناقوس، إلا لأجل استقلال المسلم، وعدم تبعيته لغيره في شعائر دينه ومختلف أموره.
ومن مخالفته -عليه الصلاة والسلام- لأهل الكتاب: أنه صام يوم عاشوراء، وأمر بصيامه، فقال الصحابة: يا رسول الله! إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى؟! فقال -عليه الصلاة والسلام-: «فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمت اليوم التاسع»، فلم يأت ذلك العام حتى توفي رسول الله-ﷺ-([4]).
وقد أخذ العلماء من هذا تحريم تشبه المسلم بغير المسلمين في لباسهم وأعيادهم وعباداتهم.
ففي مذهب الإمام أبي حنيفة: يكفر المسلم بوضع قلنسوة المجوس على رأسه، إلا لضرورة دفع حر أو برد، كما يكون كذلك إذا خرج ليزور المجوس؛ لموافقته معهم فيما يفعلون في ذلك اليوم، وبشرائه ذلك اليوم شيئًا لم يكن يشتريه قبل ذلك تعظيما له([5]).
وفي مذهب الإمامين: مالك والشافعي مثل ذلك، ومثلوا له بما لو شد حبلا على وسطه، فلما سئل عنه قال: هذا زنار([6]).
وفي مذهب الإمام أحمد: أن تَزَيِّيَ مسلم بأزياء أهل الكتاب أو تعليقه صليبًا على صدره محرم؛ لحديث: «من تشبه بقوم فهو منهم»([7]).
ولكي يكون التشبه محرمًا لا بد من توافر الشروط التالية:
أولًا: ألا يكون له ضرورة: فلو خشي على نفسه من قوم، فاضطر للتشبه بهم، فلا حرج عليه؛ لأنه بمثابة المكره، والأصل فيه قول الله -تعالى-: {مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم}[النحل:601]. وفي هذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “لو أن المسلم بدار حرب أو دار كفر غير حرب لم يكن مأمورًا بالمخالفة لهم في الهدي الظاهر؛ لما عليه في ذلك من الضرر، بل قد يستحب للرجل أو يجب عليه أن يشاركهم أحيانًا في هديهم الظاهر، إذا كان في ذلك مصلحة دينية من دعوتهم إلى الدين، والاطلاع على باطن أمورهم؛ لإخبار المسلمين بذلك، أو دفع ضررهم عن المسلمين، ونحو ذلك من المقاصد الحسنة. فأما في دار الإسلام والهجرة التي أعز الله فيها دينه، وجعل على الكافرين فيها الصغار والجزية ففيها شرعت المخالفة”([8]).
ثانيًا: أن يكون القصد منه الاعتقاد: فمن تشبه بغير المسلمين حبًّا لدينهم أو أعيادهم أو سلوكهم، فقد ارتكب إثمًا عظيمًا، قد يؤدي به إلى الكفر، أما إن كان القصد من التشبه مجرد التقليد، مع انتفاء نية الاعتقاد، فهو من باب المعصية.
ثالثًا: أن يكون المتشبه عالمًا بما يتشبه به علم يقين: فإن قال قولًا، أو عمل عملًا لا يدرك حقيقته، فهو من باب الخطأ الموجب للتوبة، كما لو لبس صليبًا وهو لا يعرف أن فيه تشبهًا، أو لبس خاتمًا في أحد أصابع يده لإعلان خطوبته أو زواجه، ولم يعلم أن ذلك من تقاليد النصارى، حين يتم عقد زواجهم في الكنيسة، دليلًا على تعلق الرجل بالزوجة، وتعلقها به.
رابعًا: أن يكون المراد من التشبه إغاظة المسلمين: كمن يريد تحسين صورة غير المسلمين، والدعوة إلى سلوكهم، فهذا كله من باب التشبه المحرم.
أما الشق الثاني من السؤال فهو عن تشبه الرجال بالنساء والعكس، والأصل في تحريمه قول رسول الله -ﷺ- فيما رواه ابن عباس -رضي الله عنهما- : «لعن رسول الله -ﷺ- المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال»([9]). وما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -ﷺ- لعن الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل([10]).
وقد أخذ العلماء من اللعن المشار إليه في الحديثين تحريم تشبه الرجال بالنساء، وتشبه النساء بالرجال؛ لأن اللعن لا يقع إلا على ما هو محرم لذاته وغايته.
وتشبه الرجال بالنساء مما يقع في كل زمان ومكان، وهو في هذا الزمان أشد، وذلك بفعل عدد من المؤثرات المضلة والمفسدة، كالمخدرات والمجلات المتخصصة في الجنس وإثارة الغرائز، والتحلل من قيم الرجولة وأخلاقها، وقد وصف رسول الله -ﷺ- هؤلاء المتشبهين بأقبح الأوصاف -وهو التخنث- فيما رواه ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -ﷺ- لعن المخنثين من الرجال([11]). وهذا الوصف يطلق على من يتصف بصفات النساء في القول، كالتأنث في الكلام أو المشي أو في الفعل، مما أصبح يعرف بالزواج المثلي.
ومن المؤلم في هذا العصر أن هذا الفعل الجرمي الممقوت قد وجد من يشجعه، بل ويحميه، ويحتفي به، كما هو واقع لدى بعض الدول الغربية، التي جعلت من هذه الجريمة البشعة عملًا مشروعًا تسن له الأنظمة، كما أن هذا الفعل لم يجد من ينكره على هذه الدول براءة للذمة، مما يؤذن بعقاب الله الذي سبق أن حل بقوم لوط لما فعلوا هذه الجريمة، وتراضوا عليها، كما قال -عز وجل-: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِين * فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيل} [الحجر:37-47].
كما أن تشبه النساء بالرجال مما يقع في كل زمان ومكان، وقد لعن رسول الله -ﷺ- من يفعل ذلك بقوله في الحديث السابق: «والمترجلات من النساء»، وقال: «أخرجوهم من بيوتكم»([12]). ولما رأى عبد الله بن عمرو بن العاص امرأة متقلدة قوسا، وهي تمشي مشية الرجل، قال: من هذه؟ فقيل: هذه أم سعيد بنت أبي جهل. فقال سمعت رسول الله -ﷺ- يقول: «ليس منا من يتشبه بالرجال من النساء»([13]).
ويشمل ترجل النساء في هذا العصر ما هو مشهود ومحسوس من دخول النساء مداخل الرجال، ونصب أنفسهن في بعض الأحايين قيمات عليهم، ناهيك بتخليهن عن طبيعتهن وخصائصهن التي جبلهن الله عليها في اللباس أو غيره، أما إذا كان التشبه يصل إلى مرحلة الزواج المثلي أو (السحاق)، كما يسمى، فهو مما يدخل في حكم اللعن والطرد من رحمة الله.
وخلاصة المسألة: أنه لا يجوز للمسلم أن يتشبه بغير المسلمين، سواءٌ كان هذا في اللباس، أم في المآكل، أم في المشارب، أم في الأعياد، أم في السلوك بوجه عام، فإذا كان هذا التشبه يراد به الاعتقاد أخرج صاحبه من الملة، أما إن كان يراد به التقليد وجب تركه؛ لأنه من باب المعصية، ولكي يكون التشبه محرمًا يجب أن تتوافر فيه أربعة شروط:
- الأول: ألا يكون له ضرورة كمن يتشبه بقوم خوفًا على نفسه منهم، فهذا بمثابة المكره.
- والثاني: أن يكون القصد منه الاعتقاد، فمن تشبه بغير المسلمين حبًّا لدينهم أو أعيادهم أو سلوكهم، فهذا مما يخرج من الملة.
- والثالث: أن يكون المتشبه عالمًا بما يتشبه به علم يقين.
- والرابع: أن يكون مراد المتشبه إغاظة المسلمين وتزيين دين غير دينهم.
ويحرم تشبه الرجال بالنساء، وتشبه النساء بالرجال؛ لأن رسول الله -ﷺ- لعن من يفعل ذلك، واللعن يوجب تحريم الفعل في ذاته ووسيلته وغايته.
والمؤلم في هذا الزمان أن تشبه الرجال بالنساء أصبح ظاهرة، رضيت بها بعض الدول في الغرب، مما أصبح يعرف بالزواج المثلي، مما يؤذن بسخط الله، وحلول عقابه، كما أن من المؤلم في هذا الزمان شيوع تشبه النساء بالرجال في القول والفعل المحرم، مما يعرف بـ«السحاق»، مما تشمله اللعنة والطرد من رحمة الله.
([1]) أخرجه أبو داود في كتاب اللباس، باب في لبس الشهرة ج4 ص6، حسنه السيوطي في الجامع الصغير، (٨٥٧٤).
([2]) صحيح مسلم بشرح النووي، كتاب الحج، باب حجة النبي- ﷺ-ج5 ص3323، 3327 ..
([3]) البخاري مع فتح الباري، كتاب الأذان، باب بدء الأذان، ج1 ص93، برقم 604 ..
([4]) أخرجه أبو داود، في كتاب الصوم، باب ما روي أن عاشوراء اليوم التاسع ج2 ص324، برقم: (2445)، وأخرجه مسلم (١١٣٤) مختصراً، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، (٣٥٠).
([5]) الفتاوى الهندية للشيخ نظام وجماعة من علماء الهند ج2 ص296-297 ..
([6]) جواهر الإكليل ج2 ص278، وروضة الطالبين وعمدة المفتين ج10 ص69 ..
([7]) كشاف القناع عن متن الإقناع للبهوتي ج3 ص128، والحديث أخرجه أبو داود في كتاب اللباس، باب في لبس الشهرة ج4 ص6، حسنه السيوطي في الجامع الصغير، (٨٥٧٤).
([8]) اقتضاء الصراط المستقيم، بتحقيق د. ناصر العقل ج1 ص418 ..
([9]) أخرجه البخاري في كتاب اللباس، باب «المتشبهون بالنساء، والمتشبهات بالرجال»، ج10 ص345، برقم 5885 ..
([10]) أخرجه أبو داود في كتاب اللباس، باب لباس النساء، ج4 ص27، برقم 4098، صححه الألباني في صحيح أبي داود، (٤٠٩٨).
([11]) أخرجه البخاري في كتاب اللباس، باب إخراج المتشبهين بالنساء من البيوت، ج10 ص346، برقم 5886 ..
([12]) أخرجه البخاري في كتاب اللباس، باب إخراج المتشبهين بالنساء، ج10 ص346، برقم 5886 ..
([13]) مسند الإمام أحمد ج2 ص 200، صححه الألباني في صحيح الجامع، برقم: (5433).