المسلم يعرف من دينه بالضرورة تحريم الربا، وأنه شر بكل صوره، فقد جاء رجل إلى الإمام مالك، فقال: يا أبا عبد الله! إني رأيت رجلًا سكرانَ يتعاقر، يريد أن يأخذ القمر بيده، فقلت: امرأتي طالق إن كان يدخل جوف ابن آدم أشر من الخمر، فقال له الإمام مالك: ارجع حتى أنظر في مسألتك، فأتاه من الغد، فقال: ارجع حتى أنظر في مسألتك، فأتاه من الغد، فقال له: امرأتك طالق؛ إني تصفحت كتاب الله وسنة نبيه، فلم أر شيئًا أشر من الربا؛ لأن الله أذن فيه بالحرب([1]).
ويقصد بذلك -رحمه الله- قول الله -عز وجل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين*فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 872-972].
وليس الربا محرمًا في ذاته فحسب، بل تعدت حرمته إلى وسائله؛ لأن الوسائل تأخذ حكم الغايات، ما لم تكن ثمة ضرورة تقتضي الاستثناء من التحريم، فالأموال في الماضي كانت قليلة، وكان إيداعها أو خزنها أو إخفاؤها مما يسهل أمره، أما في الوقت الحاضر فليس من وسيلة للإيداع أو الخزن أو الإخفاء إلا البنوك؛ لكونها جهة حفظ وأمان، فلا ضير إذًا من إيداع الأموال فيها، ولو كانت تتعامل بالربا، فالضرورات تبيح المحظورات، والضرورة هنا الخشية على المال من السرقة، ولهذا جاز أكل الميتة عند المجاعة، والتلفظ بكلمة الكفر في حال الإكراه، ومع أن هذا خاص بالحفاظ على النفس إلا أنه يتعدى -أيضًا-إلى الحفاظ على المال؛ لأن الحفاظ عليه من الضرورات الشرعية.
أما بالنسبة للزيادة -الفوائد- التي تدفعها البنوك لقاء استغلال الأموال المودعة فيها فهي محرمة، ولا تعد أموالًا لأصحابها؛ لأنها ربا، فيجب صرفها في وجوه النفع العام، كرصف الطرقات والحدائق ونحوها.
وأما سؤال الأخ السائل عما إذا كان يجوز له أن ينفق منها على عائلته، فالأصل أنه لا يجوز له ذلك؛ لأنها -أي: الفوائد- ليست من الأموال الحلال، ولا من الطيبات التي أمر الله عباده أن يأكلوا منها في قوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُون} [البقرة: 271]، وقوله -عز ذكره-: {فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُون} [النحل: 411].
والله -تعالى- أعلم.