والجواب: أن على المسلم بعد أن يتطهر للصلاة، أن يدرك أنه سيناجي ربه، وهذه المناجاة تقتضي منه أن يتجه بقلبه، ومشاعره، وخواطره، وأحاسيسه إلى الله في صلاته؛ فلا يشغل نفسه بأعراض الدنيا؛ لأن الشيطان يذكِّره بهذه الأعراض، ويوسوس له بها ليصده عن حقيقة المناجاة وإفراغ قلبه من ذكر الله.
وخلاصة صفة صلاة رسول الله ﷺ كما يلي:
على المسلم أن ينوي بقلبه أنه سيؤدي الصلاة فرضًا كانت أو نفلًا؛ لأن رسول الله ﷺ قال: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ مانوى)([1]). ومحل النية القلب، ولا حاجة للتلفظ بها؛ لأن الله يعلم ما يفعله عبده: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُور}([2])، ثم بعد ذلك يستقبل القبلة، وهي الكعبة في المسجد الحرام، عملًا بفعل رسول الله ﷺ في استقبال القبلة في صلاته. وعلى المصلي أن يجتهد في استقبالها بأي طريقة يغلب عليه فيها اليقين أنه متجه إليها. كما ينبغي له إيجاد سترة أمامه إن كان إمامًا أو منفردًا، عملًا بأمر النبي ﷺ في قوله: (لا تصل إلا إلى سترة ولا تدع أحدًا يمر بين يديك فإن أبى فلتقاتله فإن معه القرين)([3]).
وبعد ذلك يستوي قائمًا مع القدرة على القيام في الفرض أو النفل عملًا بقول الله عز وجل: {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينن}([4]). وعملًا بفعل رسوله -عليه الصلاة والسلام-. ولا يستثنى من القيام إلا من كان مريضًا أو عاجزًا؛ لأن رسول الله ﷺ صلى جالسًا في مرض موته([5])، ومثل ذلك ما لو كان في طائرة أو في سفينة أو على ظهر أي راحلة كانت لا يستطيع فيها القيام.
ثم يكبر تكبيرة الإحرام، وصفتها أن يكبر المصلي قائلًا الله أكبر ويجهر بذلك إن كان إمامًا أو منفردًا، عملًا بقول رسول الله ﷺ: (إذا قمت إلى الصلاة فكبّر)([6])، وعليه رفع يديه عند التكبير إلى محاذاة أذنيه، وأن ينظر إلى موضع سجوده انتهاء بنهيه ﷺ عن رفع البصر إلى السماء في أثناء الصلاة بقوله: (لينتهين أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لا ترجع إليهم)([7]).
ويضع يديه على صدره بعد التكبير، فيضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد. ووضعهما على الصدر عملًا بما روي أن رسول الله ﷺ كان يضع يده اليمنى على اليسرى على صدره([8]). ولا يعني ذلك رفع اليدين إلى القرب من الحلق كما يفعل بعض المصلين، بل يضعهما على أي جهة من امتداد الصدر من الأعلى إلى الأسفل، ثم يستفتح صلاته.
ويدعو بدعاء الاستفتاح: وهو سنة ومن الدعاء المأثور فيه قول: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إلَه غيرك، ومنه قول: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين.. إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين، ويمكن أن يقول: (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب. اللهم نقني من الخطايا كما ينقَّى الثوب الأبيض من الدنس. اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد)([9]).
وبعد دعاء الاستفتاح على المصلي أن يتعوذ من الشيطان الرجيم فيقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ثم يسمي قائلًا: بسم الله الرحمن الرحيم، ويقرأ سورة الفاتحة عملًا بقول رسول الله ﷺ: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)([10])، ويؤمن بعد الانتهاء منها قائلًا آمين. فإن كانت الصلاة سرية أسرَّ بها وإن كانت جهرية جهر بها لقول رسول الله ﷺ: (إذا قال أحدكم آمين وقالت الملائكة في السماء آمين فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه)([11])، وإن كان إمامًا أو منفردًا قرأ ما تيسر من القرآن عملًا بقول الله تعالى: {فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ}([12])، وإن كان مأمومًا أنصت إلى قراءة إمامه؛ عملًا بقول الله عزوجل: {وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون}([13]).
ثم يركع ويضع كفيه على ركبتيه عملًا بقول رسول الله ﷺ للمسيء في صلاته: (ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا)([14])، وعليه أن يرفع يديه مع التكبير للركوع إلى حذو منكبيه، مع بسط ظهره والاطمئنان في ركوعه ،ويقول: سبحان ربي العظيم ثلاث مرات أو أكثر، وقد يزيد ويقول سبحانك اللهم ربنا وبحمدك. اللهم اغفر لي([15]).
وبعد أن ينتهي من الركوع، يعتدل منه حتى يعود كل عضو إلى مكانه، ويرفع يديه إلى حذو منكبيه أو أذنيه، ويقول: سمع الله لمن حمده، (إن كان إمامًا أو منفردًا)، ويقول: ربنا ولك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، ملء السموات، وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد. وله (إلى أن يسجد) أن يضع يديه على صدره أو يرسلهما.
وإن كان مأمومًا يقول: ربنا ولك الحمد، ويكمل ما ذكر بالنسبة للإمام والمنفرد.
وبعد الاعتدال من الركوع، يكبر ويخر ساجدًا على يديه؛ عملًا بقول رسول الله ﷺ: (إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه)([16])، ويكون سجوده على أعضائه السبعة وهي: الجبهة مع الأنف واليدان والركبتان وبطون أصابع الرجلين وذلك مع ضم أصابعه وتوجيهها إلى القبلة، ويقول: سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات أو أكثر وقد يزيد فيقول: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي. وينبغي الإكثار من الدعاء لقول رسول الله ﷺ: (أما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم)([17])، ويجب عليه الاطمئنان في سجوده ورفع ذراعيه عن الأرض، ومجافاة عضديه عن جنبيه، وبطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه.
وبعد الانتهاء من السجود يرفع المصلي رأسه مكبرًا، ويفترش رجله اليسرى تحته، وينصب رجله اليمنى مستقبلًا بها القبلة، ويضع يديه على فخذيه وركبتيه، ويطمئن في جلوسه حتى يرجع كل عظم إلى مكانه، ويقول: رب اغفر لي وارحمني ويكررها.
وإن تعذر عليه افتراش رجله اليسرى، ونصب اليمنى لعجز أو مرض أو نحوه، فيجلس على أي صفة يقدر عليها حكمه في ذلك حكم المريض والعاجز في صلاته.
وبعد ما ينتهي من جلسته الأولى، يسجد السجدة الثانية، يفعل فيها ما فعل في الأولى، ثم يرفع رأسه مكبرًا ويجلس جلسة الاستراحة وهي جلسة خفيفة لا يقول فيها شيئًا، ثم ينهض معتمدًا على يديه من الأرض أو على ركبتيه أيهما كان أيسر له.
وإذا كانت الصلاة رباعية كالظهر والعصر والعشاء أو ثلاثية كالمغرب، جلس للتشهد الأول بعد الانتهاء من الركعة الثانية ويفترش رجله اليسرى وينصب اليمنى كما كان يفعل في الجلسة بين السجدتين، فإن تعذر عليه افتراش رجله اليسرى ونصب اليمنى جلس على أي حال استطاعها ووضع يده اليمنى على ركبته اليمنى واليسرى على ركبته اليسرى ثم يقرأ: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. وعند التشهد يقبض أصابعه إلا السبابة فيرفعها ويحركها دلالة على توحيد الله، ثم يرفع ليتم ما بقي، أما إن كانت الصلاة ثنائية كصلاة الفجر فيجلس بعد الركعة الثانية للتشهد الأخير.
إذا أتم الركعة الثانية من الصلاة الرباعية، أو الثالثة من الصلاة الثلاثية أو الثانية من الصلاة الثنائية فيجلس للتشهد الأخير كما كان يجلس للتشهد الأول، ويقرأ (التحيات) مثل ما قرأ في التشهد الأول ويزيد عليه: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. ثم يتعوذ من عذاب جهنم ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال. ويستحب أن يدعو بما شاء من الأدعية المأثورة له ولوالديه وللمسلمين.
([1]) أخرجه البخاري في كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي على النبي ﷺ، فتح الباري، ج1 ص15، برقم (1).
([3]) أخرجه ابن خزيمة في صحيحه، ج2 ص9-10، باب النهي عن الصلاة إلى غير سترة، برقم (800)، قال الألباني في صفة الصلاة، (٨٢): إسناده جيد.
([4]) سورة البقرة من الآية 238.
([5]) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر، صحيح مسلم بشرح النووي ج4 ص137-138.
([6]) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها، صحيح البخاري ج1 ص184.
([7]) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب تحريم سبق الإمام بركوع أو سجود ونحوهما، صحيح مسلم بشرح النووي ج4 ص152.
([8]) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب وضع اليدين على الصدر في الصلاة، صحيح مسلم بشرح النووي ج4 ص114.
([9]) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب ما يقول بعد التكبير، برقم 744، فتح الباري ج2 ص265.
([10]) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم، صحيح البخاري ج1 ص184، وأخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، صحيح مسلم بشرح النووي ج4 ص100.
([11]) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب فضل التأمين، برقم 781، فتح الباري ج2 ص310.
([12]) سورة المزمل من الآية 20.
([13]) سورة الأعراف الآية 204.
([14]) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب أمر النبي ﷺ للذي لا يتمّ ركوعه بالإعادة، برقم 793، فتح الباري ج2 ص323.
([15]) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب الدعاء في الركوع، برقم 794، فتح الباري ج2 ص328.
([16]) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه، برقم 840، سنن أبي داود ج1 ص222، وأخرجه النسائي في كتاب الافتتاح، باب أول ما يصل إلى الأرض من الإنسان في سجوده، سنن النسائي ج2 ص206-207، صححه الألباني في صحيح أبي داود، (٨٤٠).
([17]) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم، ج2 ص369-370، برقم (479).