سؤال‮ ‬من الأخ الشيخ عبد العالي‮ ‬000‮ ‬إمام وخطيب جامع سعد بن أبي‮ ‬وقاص في‮ ‬باب الزوار الجزائر عما إذا قدم لإمام المسجد جنازة لكي‮ ‬يصلي‮ ‬عليها هل عليه أن‮ ‬يسأل إن كانت هذه الجنازة لمسلم أم‮ ‬غيره؟‮ ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

هل يجب على الإمام السؤال عن حال الجنازة قبل الصلاة عليها

وقبل الجواب على السؤال تجدر الإشارة إلى وجوب الصلاة على الميت باعتبارها من فروض الكفايات، والأصل في ذلك السنة والإجماع. أما السنة فما رواه جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما- أن رسول الله قال لأصحابه‏: (إن أخاكم([1]) قد مات بغير أرضكم، فقوموا فصلوا عليه)، قال فقمنا فصفنا صفين([2]). وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله نعى للناس النجاشي في اليوم الذي مات فيه، فخرج بهم إلى مصلى، وكبر أربع تكبيرات([3]). وفي حديث ابن عمر أن رسول الله قال‏: (صلوا على من قال لا إله إلا الله)([4]). وأما الإجماع، فقد أجمع المسلمون في سلفهم وخلفهم على الصلاة على المسلم مع بعض الاختلاف في آراء الفقهاء في كيفية الصلاة عليه كما سنرى.

وفي الصلاة على الميت المسلم فضل عظيم لما فيه من الدعاء والاستغفار والترحم عليه والشفاعة فيه، ففي حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قال‏: سمعت رسول الله يقول‏: (ما من مسلم يموت ويقوم على جنازته أربعون رجلًا لا يشركون بالله شيئًا إلا شفعوا فيه)([5]).

ولا خلاف في عدم الصلاة على غير المسلم والمنافق لنهي الله تعالى لنبيه عن ذلك في قوله عز وجل‏: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُون} [التوبة‏: 48].

وسبب نزول هذه الآية ما رواه عمر بن الخطاب في قصة الصلاة على عبدالله بن أبي ابن سلول رأس المنافقين في المدينة فلما قُدِّم إلى رسول الله للصلاة عليه قال عمر ‏: وَثَبْتُ إليه حتى قمت في صدره فأخذت بثوبه فقلت:  يا رسول الله أتصلى على عدو الله، وقد قال يوم كذا وكذا أعدد عليه قوله. أليس قد نهاك الله أن تصلي على المنافقين؟ فقال {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ}  [التوبة: 08] . فتبسم رسول الله وقال‏: (أخر عني يا عمر) فلما أكثرت عليه قال‏: (إني خيرت فاخترت قد قيل استغفر لهم أولا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم، لو أعلم أني لو زدت على السبعين غفر له لزدت عليها) قال‏: إنه منافق قال‏: فصلى عليه ثم انصرف فلم يمكث إلا يسيرًا حتى نزلت الآيتان من سورة براءة {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُون} [التوبة: 48] . قال فما صلى رسول الله بعد ذلك على منافق ولا قام على قبره حتى توفاه الله([6]).

وقد علق على هذا الحديث الإمام الحافظ ابن حجر بقوله:  «إنما جزم عمر أنه (عبدالله ابن أبي بن سلول) منافق جريا على ما كان يطلع عليه من أحواله وإنما لم يأخذ النبي  بقوله وصلى عليه إجراء له على ظاهر حكم الإسلام، واستصحابا لظاهر الحكم، ولما فيه من إكرام ولده الذي تحققت صلاحيته ومصلحة الاستئلاف لقومه ودفع المفسدة، وكان النبي  في أول الأمر يصبر على أذى المشركين ويعفو ويصفح ثم أمر بقتال المشركين فاستمر صفحه وعفوه عمن يظهر الإسلام ولو كان باطنه على خلاف ذلك لمصلحة الاستئلاف وعدم التنفير عنه ولذلك قال‏: (لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه)، فلما حصل الفتح ودخل المشركون في الإسلام، وقل أهل الكفر وذلوا أمر بمجاهرة المنافقين وحملهم على حكم 000الحق ولاسيما وقد كان ذلك قبل نزول النهي الصريح عن الصلاة على المنافقين([7]).

فاقتضى ما ذكر تحريم الصلاة على غير المسلم وعلى المنافق إذا علم نفاقه، وقد تعرض الفقهاء -رحمهم الله- لمن تجوز الصلاة عليه ومن لا تجوز من غير أهل الكفر والنفاق، ففي مذهب الإمام أبي حنيفة يصلى على كل مسلم مات بعد ولادته صغيرًا كان أم كبيرًا ذكرًا كان أم أنثى ما عدا البغاة وقطاع الطرق، كما تحرم الصلاة على قاتل أبويه أو أحدهما([8]). وفي مذهب الإمام مالك‏: كره الإمام مالك لأهل الفضل الصلاة على أهل البدع زجرًا وعقابًا لهم، ويرى رحمه الله عدم الصلاة على المقتول حدًّا،؛ لأن رسول الله لم يصل على ماعز بن مالك الأسلمي، ولا يرى رحمه الله الصلاة على السقط إلا إذا كان قد استهل صارخًا، ولم تدل أمارات على حياته([9]). وفي مذهب الإمام الشافعي:  يصلى على الذمي والباغي إذا كانا مقتولين ظلمًا، كما يصلى على القتيل بالحق قصاصا أو حدًّا كما يصلى على تارك الصلاة وعلى قاطع الطريق([10]). وفي مذهب الإمام أحمد:  يصلى على المسلم ولو كان عاصيًا كالسارق وشارب الخمر، ومن قتل قصاصًا أو قتل حدًّا، ويستثنى من الصلاة أصحاب البدع المكفرة([11]).

قلت‏: وينبني على ما سبق أن صلاة الجنازة تشرع للمسلم المعلوم بإسلامه والطفل ولو كان سقطًا إذا كانت الروح قد نفخت فيه. كما تشرع الصلاة على الشهيد لما صح أن رجلًا من الأعراب جاء إلى النبي  فآمن به واتبعه، ثم قال‏: أهاجر معك فلبثوا قليلًا ثم نهضوا في قتال العدو فأتي به النبي  يحمل قد أصابه سهم ثم كفنه النبي  ثم صلى عليه([12]). وتشرع الصلاة على الغريق والحريق ومن كان في نحوهم، كما تشرع الصلاة على من قتل حدًّا أو كان باغيًا أو فاسقًا أو عاصيًا أو قاطع طريق أو متهاونًا في الصلاة (غير جاحد لوجوبها)، فهؤلاء يعدون في حكم المسلمين، ولعل في الصلاة عليهم والدعاء لهم تخفيف من ذنوبهم.

ولا تجوز الصلاة على غير المسلم ولا على المنافق المعلوم نفاقه، ذلك أن غير المسلم معلوم بعدم إسلامه، والمنافق معلوم بإبطانه الكفر فأصبح في حكم غير المسلم، ويشمل ذلك أصحاب الفرق الذين خرجوا من دين الإسلام بصريح الكفر، وأجمعت الأمة على كفرهم كحال المنتسبين للقاديانية وأمثالها.

أما سؤال الأخ عن حال الجنازة إذا قدمت له، فالأصل أن أهل الميت ينبغي أن يخبروه عن حاله أهو ذكر أم أنثى أم صغير أم كبير أم سقط، وذلك ليدعو الإمام في كل حال بما يناسبها. وللإمام أن يسأل عن حال الميت أهو مسلم أم غير مسلم، خاصة إذا كان في بلد فيه مسلمون وغيرهم، فقد كان رسول الله  إذا دعي لجنازة سأل عنها، فإن أثني عليه خير قام فصلى عليها، وإن أثني عليها غير ذلك قال لأهلها (شأنكم بها) ولم يصل عليها([13]).

([1]) المراد بالأخ النجاشي ملك الحبشة.

([2]) صحيح مسلم ج4 ص296.

([3]) صحيح مسلم ج5 ص50.

([4]) المعجم الكبير للطبراني ج11 ص87، سنن الدارقطني ج4 ص476.

([5]) أخرجه أبو داود في كتاب الجنائز، باب فضل الصلاة على الجنازة وتشييعها، برقم، (3170)، ج3 ص148.

([6]) أخرجه البخاري ج3 ص177 وغيره.

([7]) فتح الباري ج8 ص270.

([8]) بدائع الصنائع ج1 ص303 .

([9]) بداية المجتهد ج1 ص239 .

([10])    كتاب الوجيز في مذهب الإمام الشافعي لأبي حامد الغزالي ج1ص75.

([11])    الإنصاف ج1 ص123.

([12])    السنن الكبرى للنسائي ج1 ص634، مصنف عبد الرزاق ج3 ص546 .

([13])    المستدرك على الصحيحين ج3 ص375، صحيح ابن حبان ج13ص159.