الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، أما بعد:
فظاهر السؤالين عن الرجل يجبر زوجته على تربية الأرانب وقطف الفلفل الأحمر .
والجواب أن للزوج حقوقًا على زوجته كثيـرة، وللزوجة علـى زوجها حقوق كثيـرة، فأما حقوق الزوج علـى زوجته فطاعته في غير معصية الله؛ لأنه لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق، كما قال ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:(لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصيةِ الخالقِ)([1]) ومن هذه الحقوق معاشرته بالمعروف وقيامها بواجباتها نحوه، ففي حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: ” بَيْنَا نَحْنُ قُعُودٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا وَافِدَةُ النِّسَاءِ إِلَيْك ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَبُّ الرِّجَالِ وَرَبُّ النِّسَاءِ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- ، وَآدَمُ أَبُو الرِّجَالِ وَأَبُو النِّسَاءِ ، وَحَوَّاء أُمُّ الرِّجَالِ وَأُمُّ النِّسَاءِ ، وَبَعَثَكَ -عَزَّ وَجَلَّ- إِلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ ، فَالرِّجَالُ إِذَا خَرَجُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقُتِلُوا فَهُمْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ، وَإِذَا خَرَجُوا فَلَهُمْ مِنَ الْأَجْرِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، وَنَحْنُ نَخْدُمُهُمْ وَنحْبِسُ أَنْفُسَنَا عَلَيْهِمْ ، فَمَاذَا لَنَا مِنَ الْأَجْرِ؟ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ( أَقْرِئِي النِّسَاءَ مِنِّي السَّلَامَ، وَقُولِي لَهُنَّ: إِنَّ طَاعَةَ الزَّوْجِ تَعْدِلُ مَا هُنَالِكَ ، وَقَلِيلٌ مِنْكُنَّ تَفْعَلُهُ “([2]) وقوله -عليه الصلاة والسلام- فيما رواه عبد الله بن أبي أوفى -رضي الله عنه-: ” لو كُنتُ آمرًا أحدًا أن يسـجُدَ لغيـرِ اللَّهِ لأمَرتُ المرأةَ أن تسجُدَ لزوجِها. والَّذي نَفسُ محمَّدٍ بيدِهِ لا تؤدِّي المرأةُ حقَّ ربِّها حتَّى تؤدِّيَ حقَّ زوجِها “([3])
ومن حقوق الزوج عدم التضييق عليه في المطعم أو الملبس أو المركب، وإنما يكون ذلك حسب قدرته وطاقته؛ لقول الله -عز وجل-: ” لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ۚ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا”(الطلاق:7).
وأما حقوق الزوجة علـى زوجها فكثيـرة، منها معاشرتها بالمعروف، والوفاء بما قد تكون قد اشترطت في عقدهما، ومن هذه الحقوق عدم التضييق عليها في المطعم والمشرب والملبس، ومنها علاجها في حال مرضها، وتوفير الخدمة لها إذا كانت مثيلاتها مما يخدمن، ومن هذه الحقوق السماح لها بصلة أهلها وبرهم، ونحو ذلك مما هو معلوم بالشرع أو العرف، ومن هذه الحقوق عدم إكراهها على ما تنفر منه أو تعجز عنه.
هذا في عموم المسألة، أما عن سؤال الأخ الشيخ فلا يجوز للزوج إجبار زوجته على تربية الأرانب أو الطيور أو الزواحف، أيًّا كان مسماها مادامت تكره ذلك.
[1] أخرجه البغوي في ((شرح السنة)) (2455) وصححه الألباني في هداية الرواة (3624).
[2] رواه ابن أبي الدنيا في “النفقة على العيال” (528) وفي “مداراة الناس” (173) وابن بشران في “أماليه” (11) إسناده حسن . وللحديث شواهد من حديث ابن عباس ، وأسماء بنت يزيد، كما رواه البزار في “مسنده” (5209) من طريق مَنْدَل بن عليّ عَنْ رِشْدِينَ بْنِ كُرَيب، عَن أَبيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِي اللَّهُ عَنْهُمَا- ، قَالَ: ” جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم- فَقَالَتْ : يَا رَسولَ اللهِ، إِنِّي وَافِدَةُ النِّسَاءِ إِلَيْكَ، هَذَا الْجِهَادُ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى الرِّجَالِ فَإِنْ نَصِبُوا أُجِرُوا، وَإن قُتِلُوا كَانُوا أَحْيَاءً عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، وَنَحْنُ -مَعَاشِرَ النِّسَاءِ- نَقُومُ عَلَيْهِمْ فَمَا لَنَا مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ: فَقَالَ النَّبِيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم-: ( أَبْلِغِي مَنْ لَقِيتِ مِنَ النِّسَاءِ أَنَّ طَاعَةَ الزَّوْجِ وَاعْتِرَافًا بِحَقِّهِ يَعْدِلُ ذَلِكَ وَقَلِيلٌ مِنْكُنَّ مَنْ يَفْعَلُهُ).
[3] صحيح سنن ابن ماجة للألباني(1515).