والجواب: إن من أهم شروط ائتمام المأموم بالإمام في الصلاة وجوب اتحاد المكان بينهما، ذلك أن هذا الاتحاد يؤدي لتبعية المأموم للإمام في الصلاة، وهذه التبعية تقتضي ما يلي: أولاً- علم المأموم بصلاة إمامه، بحيث يشاهده عيناً أو يسمع تكبيره أو يشاهد من خلفه أو يسمع تكبيرهم. ثانياً- قرب المأموم من إمامه بحيث لا يكون بعيداً عنه، بمعنى أن يكون في دائرة وجوده. ثالثاً- عدم وجود حاجز بينهما لقول عائشة -رضي الله عنها- لنسوة صلين في سترة: لا تصلين بصلاة الإمام فإنكن دونه في حجاب. وقول عمر : إن من كان بينه وبين الإمام نهر أو طريق أو صف من النساء فلا صلاة له. هذا في مذهبي الإمامين أبي حنيفة والشافعي([1]).
أما في مذهب الإمام مالك: فلو أن دوراً مستورة وصلى فيها قوم بصلاة الإمام فصلاتهم تامة إذا كان لتلك الدور كوى([2])، أو مقاصير([3]) يرون منها ما يصنع الناس والإمام، فيركعون بركوعه ويسجدون بسجوده، فصلاتهم صحيحة، وإن لم يكن لهذه الدور كوى أو مقاصير، إلا أنهم يسمعون الإمام فيركعون بركوعه، ويسجدون بسجوده فذلك جائز. ودليل هذا ما روي أن أزواج رسول الله كن يصلين في بيوتهن بصلاة أهل المسجد، وقال بهذا الرأي نفر من الصحابة على ألا يكون ذلك في صلاة الجمعة([4]).
وأما مذهب الإمام أحمد: فإن كان المأموم يرى إمامه أو من وراءه وكان في المسجد، صحت صلاة المأموم؛ لأن المسجد مبني للجماعة، فكل من حصل فيه حصل في محل الجماعة، وذلك بخلاف خارج المسجد، فإنه ليس معدًّا للاجتماع فيه، وإن كان المأموم والإمام خارجين عن المسجد، أو كان المأموم وحده خارجاً عن المسجد الذي فيه الإمام، وأمكنه الاقتداء صحت صلاة المأموم،إن رأى الإمام أو بعض من وراءه([5])
هذه بإيجاز أقوال الفقهاء، وهي إن اختلفت إلى حد مَّا فهي لا تختلف حول سماع المأموم لإمامه، وإمكان الاقتداء به ومتابعته.
قلت: والائتمام بالإمام الذي يصلي بالناس ويظهر عبر التلفاز وإن كان يتحقق منه المشاهدة وإمكانية الاقتداء، إلا أنه لا يتحقق فيه ثلاثة شروط أساسية، هي:
أولاً: عدم اتحاد المكان: فبين العراق مثلاً وبين مكة المكرمة مئات أو آلاف الأميال، وظهور صورة الإمام والمصلين عبر التلفزيون لا تحقق مقصد المكان، وذلك لبعد المسافة بين المكان الذي تبث منه والمكان الذي تظهر فيه. وهو نفس المثال بين إيطاليا ومكة المكرمة، أو أي أمكنة أخرى مماثلة في بعد المسافة.
ثانياً: فوارق التوقيت: فالتوقيت قد يتفق في مكان ولا يتفق في آخر، والتوقيت من شروط الصلاة، لقول الله تعالى: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [النساء: 301]. أي مفروضاً في الأوقات. وقوله: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ}الآية [الإسراء: 87] .
ثالثاً: البعد عن المسجد: فمن مهمات صلاة الجماعة أنها تقام في مكان متحيز مخصص لها، يطلق عليه اسم المسجد أو الجامع، فمن يصلي في بيته خلف إمام يظهر على شاشة التلفاز لا يعد مصلياً في المسجد، حتى لو كان يصلي في مكان قريب منه، كحال الفنادق والنزل القريبة من المساجد، إلا إذا كانت هذه الفنادق والنزل ملحقة بها، أو لا يحول بينها وبين هذه المساجد طريق أو سور أو أي حاجز آخر. وينبني على هذا أنه لا يجوز الائتمام بالإمام الذي يظهر عبر التلفاز.
أما عن سؤال الأخ الدكتور زهير.. فإن صلاته في بيته -خلال حظر التجول- منفرداً أو إماماً لأهل بيته صلاة صحيحة، وسيكون له إن شاء الله أجر صلاة الجماعة؛ لأنه قد حُبِسَ عنها بسبب حظر التجول، وهذا من باب الضرورة الموجبة للصلاة في البيت، حفظاً للنفس التي يعد حفظها من الضرورات الشرعية.
أما الأخت عزيزة فتصلي الصلاة في بيتها، وصلاتها في بيتها صحيحة إن شاء الله؛ لأن الله لم يوجب عليها الصلاة في المسجد، أما إن كان لديها مسجد تستطيع الصلاة فيه مع أخواتها، في معزل عن الرجال، فهذا مما لا بأس به، عملاً بقول رسول الله : (لا تمنعوا إماء الله من مساجد الله وبيوتهن خير لهن)([6]).
([1]) في مذهب الإمام أبي حنيفة، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني ج1 ص145-146، وحاشية رد المحتار لابن عابدين، ج1 ص584-585، والبناية شرح الهداية للعيني، ج2 ص353-354، والفتاوى الهندية، ج1 ص96-97. وانظر في مذهب الإمام الشافعي: الحاوي الكبير للماوردي، ج2 ص433-434، والمجموع شرح المهذب للنووي مع فتح العزيز شرح الوجيز للرافعي مع التلخيص الحبير لابن حجر، ج4 ص302-309.
([2]) الكوى هي: الثقبة في الحائط يدخل منها الهواء والضوء، ويقال الكوَّة أيضاً، وفسر بعض الفقهاء الكوة بالطاقة، انظر: المصباح المنير للفيومي، ج2 ص545، والمعجم الوسيط، ج2 ص80 .
([3]) المقاصير هي: مكان الإمام ومقاصير الطريق نواحيها، واحدتها مقصرة على غير قياس، انظر: لسان العرب، ج5 ص103، والمعجم الوسيط، ج2 ص739 .
([4]) المدونة الكبرى للإمام مالك رواية سحنون، ج1 ص83، والخرشي علي مختصر سيدي خليل مع حاشية العدوي، ج1 ص36-39، وحاشية الدسوقي، ج1ص 331-336.
([5]) كشاف القناع عن متن الإقناع للبهوتي، ص491-492، والإقناع لطالب الانتفاع للحجاوي، ج1 ص266-267، والإنصاف للمرداوي، ج2 ص293-297، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، ج23 ص704-214.
([6]) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب ما جاء في خروج النساء إلى المسجد، برقم، (563)، (عون المعبود ج2 ص13، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود ج1 ص113: «حسن صحيح»، برقم (925).