سؤال من الأخ الحاج راشد من مدينة عليزان من الجزائر عن قول‮ ‬الله‮ ‬عز‮ ‬وجل‮:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير} [الشورى:١١]‬‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

ليس كمثله شيء.‬‬‬‬‬‬

الجواب: أهل السنة والجماعة متفقون على أن الله تعالى لا يماثله أحد في ذاته، ولا في صفاته، أو أفعاله، أو تدبيره لخلقه. كما لا يماثله أحد في خصائصه، ولا في ملكوته، أو سلطانه. فقوله عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، نفي للتشبيه، والتمثيل. وقوله:{وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير} نفي للتعطيل.

وفي هذه الآية الكريمة حكمان:إثبات ونفي . أما الإثبات فقد دل القرآن الكريم على إثبات أسماء الله وصفاته عز وجل، بما يليق بذاته العلية . والإثبات في هذا على معنيين:

الأول: إثبات أسمائه وصفاته عز وجل بما هو مختص به في ذاته، وأفعاله، وذلك في آيات كثيرة، منها قوله تعالى:{وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون} [الأعراف:081]. وقوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا*الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا}[الفرقان:١–٢]. وقوله:{لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير*هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ }

[الحديد:٢–٣]. وقوله:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ}[الحديد:٤]. وقوله:{عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ}[الحشر:٢٢]. وقوله جل ثناؤه:{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} [الملك:١] . وقوله عز من قائل:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد *اللَّهُ الصَّمَد} [الإخلاص:١–٢].

المعنى الثاني: تسميته نفسه عز وجل بأسماء، مع تسميته بعض عباده بها، وتسميته صفاته بأسماء وتسميته بعضها بصفات عباده كقوله عز وجل: {عَلِيمٌ}[آل عمران:911]. {حَكِيم}[التوبة:51]{عَزِيزٌ}[البقرة:902]{الْحَيُّ}[البقرة:552] . {حَلِيم}[لبقرة:522].{لَرَؤُوفٌ رَّحِيم}[البقرة:341]. وقد سمَّى بعض عباده بهذه الأسماء، منها قوله تعالى عن نبيه يعقوب:{وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلِيم} [الذاريات:82]. وقوله جل ثناؤه عن نبيه داود:{وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ}[ص:20]. وقوله في قصة نبيه يوسف:{ٍقَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ}[يوسف:15]. وقوله عن نبيه إبراهيم:{فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيم}[الصافات:١٠١]. وقوله عن نبيه محمدr :{حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيم}[التوبة:821]. وقوله عز من قائل:{وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} [يونس:13].

وهذه التسمية، أو الصفة بين الله عز وجل وبعض عباده لا تعني بأي حال التشبيه، أو التمثيل، لأن الذي سمَّى هذه الأسماء هو الخالق القادر؛ ومن سُمّي بهذه الأسماء هو المخلوق. والذي وصف هذه الصفات هو الخالق، ومن وُصِفَ بهذه الصفات هو المخلوق، وبين المسمِّي -بكسر الميم– والمسمَّى -بفتح الميم وبين الواصف والموصوف فرق كبير في الدلالة، والمعنى، والقدرة؛ فعندما نطلق مثلاً اسم (عمر) ندرك عقلاً (ولله المثل الأعلى) أن عمر يختلف من إنسان إلى آخر؛ فهناك (عمر) ضعيف البنية، ضعيف التفكير. وهناك (عمر) غني، و(عمر) فقير، و(عمر) الحاكم أو القائد، وهناك (عمر) المحكوم، أو المقود.

وعندما نقول:فلان الحكيم ندرك عقلاً أن هناك من هو أحكم منه، ولهذا قال الله عز وجل في استفهام تقريري:{أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِين} [التين:٨] . فنقول:ونحن على ذلك من الشاهدين.

وعندما نقول:فلان عالم ندرك عقلاً أن هناك من هو أعلم منه من جنسه، ولهذا قال عز وجل:{وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيم} [يوسف:67]. وعندما نطلق اسم الطير (ولله المثل الأعلى) على كل طائر يطير بجناحيه، ندرك عقلاً أن الطيور ليست كلها في القدرة سواء؛ فمنها ما لا يستطيع الطيران إلا لمسافة قصيرة بسبب ضعف بنيته وعدم قدرته، ومنها ما يستطيع الطيران في آفاق الفضاء، ويطير آلاف الأميال.

فاقتضى هذا عقلاً أن تسمية (شيئين) بمسمى واحد، ووصفهما بوصف واحد لا يعني أبداً تساويهما في الذوات، والأفعال، والخصائص. وإذا كان هذا هو الحال في العوالم المتجانسة من المخلوقات؛ فما بالك بما إذا كانت التسمية أو الوصف يتعلق بالخالق الذي تسمو ذاته، وأسماؤه وصفاته عن مشابهة المخلوق؟

وأما النفي فقد ورد في القرآن الكريم نفي كل ما يشبه الله أو يصفه بصفات خلقه، وذلك في آيات كثيرة، منها قوله الله عز وجل:{وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُون*بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم} [الأنعام:001–١٠١]. وقوله جل ثناؤه:{وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ} [الإسراء:١١١]. وقوله تقدست أسماؤه:{أَلاَ إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُون*وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُون*أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِين}[الصافات:١٥١– 351].إلى قوله سبحانه:{سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُون} [الصافات: 951]. وقوله عز من قائل:{لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَد} [الإخلاص:٣].

قلت:هذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة في وصف الله بما وصف به نفسه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} ، ولم يفترق عن هذه العقيدة إلا الذين زاغت أبصارهم؛ فشبهوا أو عطلوا، فوصفوا الله بما لم يصف به نفسه؛ حتى عميت عقولهم، وانحرفت أفهامهم، فضلوا سواء السبيل، وأضلوا من كان على نهجهم ممن سلب عن نفسه الإيمان؛ فأصبح من التائهين عن جادة الحق، وطريق الصواب.

وخلاصة المسألة: أن أهل السنة والجماعة متفقون على أن الله تعالى لا يماثله أحد في ذاته، ولا في صفاته، أو أفعاله، أو تدبيره لخلقه. كما لا يماثله أحد في خصائصه، ولا في ملكوته أو سلطانه، فقوله عز وجل:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} فيها إثبات ونفي. والإثبات على معنيين: الأول: إثبات أسمائه وصفاته عز وجل بما هو مختص به في ذاته وأفعاله، كما ورد في القرآن الكريم. المعنى الثاني:تسمية نفسه عز وجل بأسماء مع تسميته بعض عباده بها، وتسميته صفاته بأسماء وتسمية بعضها بصفات عباده. وهذه التسمية والصفة لا تعني بأي حال التشبيه أو التمثيل، لأن من سمَّى هذه الأسماء، ووصف هذه الصفات هو الله عز وجل، وهناك فرق كبير في الدلالة، والمعنى، والقدرة بين المسمِّي -بكسر الميم والمسمَّى -بفتح الميم وبين الواصف والموصوف.

وأما النفي فقد ورد في القرآن الكريم نفي كل ما يشبه الله، أو يصفه بصفات خلقه . ولم يحد عن سبيل أهل السنة والجماعة إلا الذين زاغت أبصارهم؛ فشبهوا أو عطلوا؛ فوصفوا الله بما لم يصف به نفسه، فضلوا بذلك عن سواء السبيل، كما أضلوا من كان على نهجهم من التائهين عن جادة الحق والصواب.