والجواب: عن هذا فيه تفصيل: أما رفع اليدين في الدعاء فهو مشروع، لقول رسول الله ﷺ: (إن الله حي كريم يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفرًا)([1]). وقوله -عليه الصلاة والسلام- في الذي يأكل الحرام: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا. ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام. فأنى يستجاب لذلك؟)([2]). وقد رفع رسول الله ﷺ يديه حين خطب الناس في صلاة الاستسقاء فقال: (اللهم أغثنا).
ويشرع كذلك رفع اليدين في صلاة النوافل بعد التسليم منها، على ألا يعتقد الداعي وجوب ذلك، ومشروعية رفع اليدين مقيدة بما ورد فيه نص من رسول الله ﷺ أو ما كان يفعله، فلا يشرع رفع اليدين للدعاء مثلًا في استفتاح الصلاة أو في أثنائها كالرفع بعد الركوع أو السجود.
وأما الدعاء بعد الصلاة فجائز ولكن الأفضل أن يكون الدعاء في أثنائها خاصة في السجود، لقول رسول الله ﷺ: (وأما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم)([3]). وقوله -عليه الصلاة والسلام-: (أقرب ما يكون فيه العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا من الدعاء)([4]).
وأما مسح الوجه بعد الدعاء فكثير من الناس يفعله بل منهم من يمسح على صدره ومرفقيه، ولم أجد دليلًا على ذلك. وقد يقال بجوازه طالما أنه لم يرد نص بتحريمه أو كراهته، ولكن الأصوب هو أن نأخذ بما ورد في سنة رسول الله ﷺ من قول أو فعل أو تقرير، عملًا بقول الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}([5]). وقوله عزوجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}([6]). وقول رسول الله ﷺ: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة..) الحديث([7]).
وهذا ينطبق على السؤال عن الأذكار الجماعية بعد الصلاة، فعلى ما نعلم لم يرد نص من قول أو أثر بجوازها؛ فهي من المحدثات. والمشروع هو أن يستغفر الإنسان بمفرده، فيسبح الله ويحمده ويثني عليه بما هو أهله.
والله أعلم.
([1]) أخرجه الترمذي في كتاب الدعوات، باب حدثنا محمد بن بشار، سنن الترمذي، ج5 ص520، برقم (3556)، وأخرجه ابن ماجة في كتاب الدعاء، باب رفع اليدين في الدعاء، سنن ابن ماجة، ج2 ص1271، برقم (3865)، صححه الألباني في صحيح الترمذي، (٣٥٥٦).
([2]) أخرجه مسلم في كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم، ج3 ص477-478، برقم (1015). ولفظ الحديث: ((أيها الناس! إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً. وإنّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين. فقال: {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيم} (سورة المؤمنون الآية 51). وقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} (سورة البقرة الآية 172). ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء. يا رب ! يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام. فأنى يستجاب لذلك ؟).
([3]) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم، ج2 ص369-371، برقم (479).
([4]) أخرجه مسلم في كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، صحيح مسلم مع شرحه إكمال إكمال المعلم، ج2 ص373، برقم (482).
([5]) سورة الأحزاب من الآية 21.
([7]) أخرجه ابن ماجة في المقدمة، باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين، سنن ابن ماجة، ج1 ص15-16، برقم (42)، صححه الألباني في صحيح الجامع، (٢٥٤٩).