الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فمجمل السؤال أن رجلًا اشترى من آخر سلعة مسروقة بمبلغ معين بالتواطؤ مع السارق، مع علمه أن هذه السلعة مسروقة، وقد صادرت المحكمة هذا المبلغ لخزينة الدولة، والسؤال هو عما إذا كان يحق للمشتري استرداد المبلغ.
هذه المصادرة حدثت بحكم قضائي، وليس فيه مجال للقول، ولعل من المناسب الإيضاح عن الحكم الشرعي في هذه الأمر، فالمشتري تواطأ مع السارق صاحب الجريمة، فهو شريك له في الفعل، والمبلغ الذي دفعه المشتري لشراء السلعة يعد من وسائل الجريمة، ومحلًّا لعقوبة صاحبه بتعزيره ماليًّا، بما يقتضي مصادرته وتمليكه لما يعرف ببيت مال المسلمين أو خزينة الدولة.
والأصل في التعزير بالمال ما قضى به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بحرق الثوبين المعصفرين، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- قال: رَأَى رَسُولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-عَلَيَّ ثَوبَينِ مُعَصفَرَينِ، فَقَالَ: «إِنَّ هَذِهِ مِن ثِيَابِ الكُفَّارِ فَلا تَلبَسهَا»، وفي رواية: «أَأُمُّكَ أَمَرَتكَ بِهَذَا»؟، قُلتُ: أَغسِلُهُمَا؟، قَالَ: «بَل أحرِقهُما»([1]).
وضعّف الغرامة على من سرق من غير حرز، كما ضعفه على السارق الذي سرق ما لا قطع فيه([2])، وكذا من كتم الضالة([3])، وتكسيره لأواني الخمر([4])، وقد فعل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- مثل ذلك، فحرق قصر سعد بن وقاص -رضي الله عنه- الذي بناه لكي يحتجب عن الناس([5]).
وللفقهاء خلاف في هذه المسألة:
فعند الإمام أبي حنيفة: لا يجوز التعزيز بأخذ المال.
وهو قول الإمام الشافعي: في المذهب الجديد، أما في مذهبه القديم فيجوز التعزيز بأخذه([6]).
وفي مذهب الإمام مالك: يجوز التعزير بأخذ المال، ومن ذلك الشيء المغشوش([7]).
وفي مذهب الإمام أحمد: لا يجوز التعزير بأخذ المال، وخالف في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، فقال بجوازه استدلالًا بأقضية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مما أشير إلى بعضها آنفًا([8]).
فالحاصل: أن المال المشار إليه أحد وسائل الجريمة، ومعاقبة صاحبه مترتبة من حق الجهة المسؤولة في تعزيره، بأخذ ماله لبيت المال (خزينة الدولة).
والله -تعالى- أعلم.
[1] رواه مسلم برقم (2077).
[2] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم-أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ التَّمْرِ الْمُعَلَّقِ، فَقَالَ: «مَنْ أَصَابَ بِفِيهِ مِنْ ذِي حَاجَةٍ غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ خَرَجَ بِشَيْءٍ مِنْهُ فَعَلَيْهِ غَرَامَةُ مِثْلَيْهِ وَالْعُقُوبَةُ، وَمَنْ سَرَقَ مِنْهُ شَيْئًا بَعْدَ أَنْ يُؤْوِيَهُ الْجَرِينُ فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ». أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ (1710)، وَالنَّسَائِيُّ (4958)، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود، وفي رِوَايَة أَحْمَد (6645) : «وَمَنْ اِحْتَمَلَ فَعَلَيْهِ ثَمَنه مَرَّتَيْنِ وَضَرْب نَكَال».
[3] ما رواه أبو داود برقم (1495): «ضَالَّةُ الْإِبِلِ الْمَكْتُومَةُ غَرَامَتُهَا وَمِثْلُهَا مَعَهَا».
[4] رواه البخاري برقم (2372).
[5] الحسبة في الإسلام لشيخ الإسلام ابن تيمية ص: 32، والطرق الحكمية في السياسة الشرعية لابن القيم ص: 309.
[6] حاشية أبي الضياء الشبراملسي على نهاية المحتاج 8/19.
[7] تبصرة الحكام 2/298، وحاشية العدوى على شرح الخرشي لمختصر خليل 8/110.
[8] كشاف القناع 6/125، والحسبة في الإسلام ص: 33-36، ومجموع الفتاوى 28/ 113-119.