الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فأمر الربا وتحريمه أمر عظيم، وقد ورد تحريمه في كتاب الله وفي سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-:
ففي الكتاب: بيّن الله -عز وجل- أن صاحب الربا محارب له ولرسوله، فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (٢٧٩) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: ٢٧٨-٢٧٩].
أما في سنة: رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فشأن الربا شأن عظيم قال -عليه الصلاة والسلام-: (الرِّبَا ثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ بَابًا، أَيْسَرُهَا: مِثْلُ أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ أُمَّهُ)([1])، فالمسلم يعلم من دينه بالضرورة تحريم الربا بكل صوره، وأن الله يمحقه في قوله -عز ذكره-: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٦]، فهل بعد هذا من عذر لمتعذر؟
هذه هي الخلاصة في تحريم الربا، أما دعاء من يدعو ربه وهو آكل للربا فالله -عز وجل- فتح أبواب السماء لعباده ليدعوه ليس بينهم وبينه حجاب؛ فقال لنبيه ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- في قرآن يتلى إلى يوم القيامة: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة: ١٨٦]، وقال لعباده: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: ٥٥]، وقال -جل في علاه-: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: ٦٠]، والأصل فيه من السنة: قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَن لم يسألِ اللهَ يغضبْ علَيهِ)([2])، فاقتضى هذا أن الله -عز وجل- يسمع دعاء عباده برهم وفاجرهم ومؤمنهم وكافرهم، ولا يستطيع أحد منهم من دعائهم كما لا يستطيع أحد أن يتألى عليه، فيقول: يغفر لهذا ولا يغفر لذاك، فكما جاء في الحديث “أنَّ رَجُلًا قالَ: واللَّهِ لا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلانٍ، وإنَّ اللَّهَ – تعالى- قالَ: مَن ذا الذي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أنْ لا أغْفِرَ لِفُلانٍ، فإنِّي قدْ غَفَرْتُ لِفُلانٍ، وأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ، أوْ كما قالَ.”([3]).
وكل ما نستطيع قوله -نحن العباد- ما علمنا الله -عز وجل-في قوله -تقدس اسمه-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} [البقرة: ١٦٨]؛ فاقتضى هذا أن كل مطعم أو مشرب غير طيب يعد محرمًا، وكذا ما علمنا رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- في قوله: ( يا أيُّها النَّاسُ إنَّ اللَّهَ طيِّبٌ لا يقبلُ إلَّا طيِّبًا، وإنَّ اللَّهَ أمرَ المؤمنينَ بما أمرَ بِه المرسلينَ فقالَ يَا أيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) وقالَ: {يَا أيُّهَا الَّذِين آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} قالَ: وذَكرَ الرَّجلَ يُطيلُ السَّفرَ أشعثَ أغبرَ يمدُّ يدَه إلى السَّماءِ يا ربِّ، يا ربِّ، ومطعمُه حرامٌ ومشربُه حرامٌ وملبسُه حرامٌ وغذِّيَ بالحرامِ فأنَّى يستجابُ لذلِك”([4])، وقوله -عليه الصلاة والسلام-: (أَطِبْ مَطْعَمَكَ؛ تَكُنْ مُستَجابَ الدَّعوةِ)([5])، وقال: (من أكل الحلال أربعين يومًا أُجيبَت دعوتُه)([6])، فدل هذا على أن من شروط قبول الدعاء المطعم الحلال والمشرب الحلال والملبس الحلال؛ لأن الله طيب ولا يقبل إلا طيبًا.
وموجز القول: إن الله حرم الربا، وإنه يسمع دعاء عباده برهم وفاجرهم، وإن قبول دعائهم أو رده محكوم بمشيئته وحده، ولا يستطيع أحد الخوض فيه إلا أن يبيّن ما بيّنه الله ورسوله، بأن من أسباب قبول الدعاء طيب المطعم والمشرب والملبس.
والله – تعالى- أعلم.
[1] أخرجه ابن ماجة (2275 )، وابن المنذر في ((الأوسط)) (8013 )، والحاكم (2259 )، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (5131 ) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم(3539).
[2] أخرجه الترمذي (3373) واللفظ له، وابن ماجه (3827)، وأحمد (9719)، صححه الألباني في صحيح الجامع، (٢٤١٨).
[3] صحيح مسلم (2621).
[4] صحيح مسلم(1015).
[5] أخرجه الطبراني في ((المعجم الأوسط)) (6495) ضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة، (١٨١٢).
[6] جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي شرح الحديث العاشر ص: 88.