سؤال من الأخ إبراهيم عبدالله من مدرسة نور الإيمان لتحفيظ القرآن الكريم في نيجيريا، عما إذا كان يجوز استخدام الخنزير لحراسة الحي.

حكم ما إذا كان يجوز للمسلم استخدام الخنزير في أغراض معينة

الجواب: يحكم الخنزير ثلاثة أحكام‏: ‏

أولها‏: ‏ما مناطه نجاسته، فهو حيوان نجس؛ لأن الله سماه رجسًا في قوله -عز وجل-: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ} [الانعام: 145]، وهذه النجاسة نجاسة (عين) لوصف الله له بهذا الوصف، ويترتب على هذه النجاسة اتفاق الفقهاء على تحريم استعمال كل أجزائه.

فقد روي ذلك عن الإمام أبي حنيفة، باستثناء شعره، فيجوز للخرازين استعماله إذا كان في ذلك ضرورة لهم([1]).

وفي مذهب الإمام مالك‏: ‏يعد الخنزير نجسًا نجاسة عين، وقيل في المذهب‏: ‏إنه ليس بنجس إذا كان حيًّا، والأصح القول الأول، فإنه نجس من لعابه أو شعره أو شيء منه في بدن أو ثوب نجسه، إلا فيما مسته الماء، فإن الماء ليس كسائر الأشياء([2]).

وفي مذهب الإمام الشافعي‏: ‏يعد الخنزير نجسًا نجاسة عين في سائر أجزائه، سواء ما يتصل أو ما ينفصل عنه كاللعاب أو العرق أو الشعر؛ لأن الله لما وصفه بالرجس دخل فيه جملته([3]).

وفي مذهب الإمام أحمد‏: ‏أن الخنزير نجس، وكل ما تولد منه أو خرج منه من سؤر أو عرق أو غيره.

الحكم الثاني‏: ‏فيما مناطه تحريم لحمه، وهذا التحريم محكوم بالنص في الآية السابقة، وهي قول الله -عز وجل-: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ} [الانعام: 145]، والرجس النجاسة وكل نجس خبيث، وقد أباح الله الطيبات لعباده، وحرم عليهم الخبائث في كل صورها، قال -عز وجل-‏: ‏{وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [الاعراف: 157]. وتحريم لحم الخنزير شامل لكل ما اتصل به أو انفصل عنه من أجزائه، وسواء كان قليلًا أو كثيرًا؛ لأن الله وصفه بالنجاسة، وهذه لا تتجزأ فما دخل من لحمه أو شحمه أو دمه في طعام أو شراب حرم أكله أو شربه، وفي حال الضرورة التي تتعلق بحفظ النفس يقدم غيره عليه كلحم الميتة ولحم الكلب؛ لأن نجاسته محكومة بوصف الله له بالنجاسة المتعينة في ذاته.

الحكم الثالث‏: ‏فيما مناطه التعامل به ماليًّا، والأصل فيه أولًا‏: ‏حديث جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما- أن الله -تعالى- حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام، فقيل‏: ‏يا رسول الله ﷺ، أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس، فقال‏: ‏لا، هو حرام. ثم قال رسول اللهﷺ‏: ‏عند ذلك‏: ‏«قاتل الله اليهود، إن الله لما حرم شحومها جملوه ثم باعوه، فأكلوا ثمنه»([4]). والأصل فيه ثانيًا: هو وجوب تحقيق المشروعية في محل المبيع، فلما كان الخنزير نجسًا فلا مشروعية لبيع النجس، فإذا بيع فلا يحل ثمنه لمن باعه، ولا يحل لمن اشتراه استخدامه، ويعد بيعه وشراؤه باطلًا ولو تراضى البائع والمشتري على التعامل فيه. وقيل‏: ‏بأنه يجوز التبادل به في شراء شيء معين، وأن يكون الاعتبار في البيع لهذا الشيء وليس للخنزير. والبحث في هذا مما يطول.

وينبني على ما سبق عدم جواز استخدام الخنزير في الحراسة وغيرها؛ وذلك لنجاسته القاطعة بنص القرآن، ويمكن للأخ السائل استخدام الكلب في الحراسة؛ لقول رسول الله ﷺ‏: ‏«من اقتنى كلبًا ليس بكلب ماشية أو ضارية نقص كل يوم من عمله قيراطان»([5]).

 

([1]) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني ج1 ص63 وحاشية رد المختار على الدر المحتار لابن عابدين ج1 ص203-204 وص210.

([2]) الكافي في فقه أهل المدينة المالكي للنمري ص18 وجامع الأحكام الفقهية للإمام القرطبي ج1 ص36-37.

([3]) المجموع شرح المهذب للإمام النووي ج9 ص3 ومغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج للشربيني ج1 ص78.

([4]) أخرجه البخاري (٥/٤٩٣ رقم ٢٢٣٦)، ومسلم (٣/١٢٠٧ رقم ١٥٨١).

([5]) أخرجه البخاري (١٣/٦٠٠ رقم ٥٤٨٠)، ومسلم (٣/١٢٠١ رقم ١٥٧٤).