الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، أما بعد:
فيعرف الوقف بأنه: “تحبيسُ مالكٍ مطلق التصرف، مالَه المنتفع به مع بقاء عينه بقطع تصرف الواقفة وغيره في رقبته يصرف ريعه إلى جهة بر تقربا إلى الله تعالى”([1]) والأصل فيه ما روي عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: “أصاب عُمَرُ بخيبرَ أرضًا، فأتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فقال: أصبتُ أرضًا لم أُصِبْ مالًا قَطُّ أنفَسَ منه، فكيف تأمُرُني به؟ قال: إنْ شئتَ حَبَّسْتَ أصلَها وتصَدَّقْتَ بها. فتصَدَّقَ عُمَرُ أنَّه لا يُباعُ أصلُهَا ولا يُوهَبُ ولا يُورَثُ، في الفُقراءِ والقُربى والرِّقابِ، وفي سَبيلِ اللهِ، والضَّيفِ، وابنِ السَّبيلِ، لا جُناحَ على مَن وَلِيَها أن يأكُلَ منها بالمعروفِ، أو يُطعِمَ صَديقًا غيرَ مُتمَوِّلٍ فيه”([2]) وما روي عن أبي هُريرةَ رَضِيَ الله عنه قال: “أمر رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالصَّدَقةِ، فقيلَ: مَنَع ابنُ جميلٍ، وخالِدُ بنُ الوليدِ، وعبَّاسُ بنُ عبدِ المطَّلِب، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ما يَنقِمُ ابنُ جميلٍ إلَّا أنَّه كان فقيرًا، فأغناه اللهُ ورَسولُه! وأمَّا خالِدٌ فإنَّكم تَظلِمونَ خالِدًا؛ قد احتَبَس أدراعَه وأعتُدَه في سَبيلِ اللهِ… “([3]).
والفقهاء من الحنفية([4]) والمالكية([5]) والشافعية([6]) والحَنابلةِ([7]) متفقون على أنه لا يجوز بيع الوقف ، وحُكِيَ الإجماعُ على منْعِ بَيعِه وتَمليكِه([8]).
هذا في عموم المسألة: أما عن سؤال الأخ فالأصل أنه لا يجوز بيع الكتاب المشار إليه ويأثم البائع إذا كان متعمدا بيعه ولأن الأخ اشترى الكتاب وهو لا يعلم عن وقفيته، فينبغي له براءة ذمته فيعهد به إلى إحدى المكتبات العامة التي تهتم بنوع الكتاب ليكون في تناول القراء.
والله تعالى أعلم.
[1] الإقناع في فقه الإمام أحمد للحجاوي (3/2).
[2] أخرجه البخاري (2772)، ومسلم (1632).
[3] أخرجه البخاري (1468)، ومسلم (983).
[4] وهو قول أبي يُوسفَ ومحمَّدِ بنِ الحسَنِ، والمُفتَى به عندَهم. ((البحر الرائق)) لابن نُجَيم (5/209)، ((حاشية ابن عابدين)) (4/338).
[5] ((مواهب الجليل)) للحطَّاب (7/626)، ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (4/75).
[6] ((روضة الطالبين)) للنووي (5/328، 329)، ((منهاج الطالبين)) للنووي (ص: 169)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (5/376).
[7] ((شرح منتهى الإرادات)) للبُهُوتي (2/405)، ((مطالب أولي النُّهى)) للرُّحَيْباني (4/294).
[8] قال الكمال ابنُ الهُمام: (وإذا صحَّ الوقفُ -أي: لَزِمَ- لم يَجُزْ بَيعُه ولا تمليكُه… بإجماعِ الفُقهاءِ). ((فتح القدير)) (6/220). وقال ابنُ نُجَيم: (ولا يُملَكُ الوقفُ، بإجماعِ الفقهاءِ). ((البحر الرائق)) (5/221).