الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فظاهر السؤال عن كراء شهادة (دبلوم) وأخذ مقابل الكراء مبلغ شهريّ، هذا هو السؤال، ونحن نفهم كراء الدابة وكراء السيارة وكراء الآلة، مقابل أجر يومي أو شهري يتم التعاقد فيه بين الآجر والمستأجر، أما كراء الشهادة فأمر يصعب فهمه وتصوره؛ فالشهادة الدراسية بيان عن حصول حاملها على علم مَّا يختص به وحده، بمعنى أنه لا يمكنه تأجيره وفقًا للمعتاد في إجارات الأشياء المادية، فقد يكون هذا العلم في علم (الإحصاء) مثلًا، وصاحب هذه الشهادة أخذ بموجبها بعض العلم في الإحصاء ما قد يستفيد منه في وظيفته وغيرها، ولكن المستأجر لهذه الشهادة لا يعلم شيئًا عن الإحصاء، فكيف يستفيد من هذا العلم في وظيفته؟ وكيف تستفيد الجهة التي يعمل فيها من هذه الشهادة المستأجرة؟ على فرض أنه يعمل فيها لن يستفيد منها وإنما المستفيد صاحب الشهادة.
هذا في العموم، أما من حيث التكييف الشرعي، فهذا العمل يدخل تحت صفات الغش والتدليس والتزوير، فهو غش للمستأجر وغش لمن سيعمل عنده، وهو تدليس وتزوير في جانب صاحب الشهادة، فهذه الأفعال محرمة؛ ففي الغش قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من غشنا فليس منا)([1])، وفي التزوير قال -عليه الصلاة والسلام-: (أَلا أُخْبِرُكُمْ بأَكْبَرِ الكَبائِرِ قالوا: بَلَى يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: الإشْراكُ باللَّهِ، وعُقُوقُ الوالِدَيْنِ. وكانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ، فقالَ: ألا وقَوْلُ الزُّورِ فَما زالَ يُكَرِّرُها حتَّى قُلْنا لَيْتَهُ سَكَتَ)([2]). وقوله -عليه الصلاة والسلام-: (إنَّما أنا بَشَرٌ وإنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، ولَعَلَّ بَعْضَكُمْ أنْ يَكونَ ألْحَنَ بحُجَّتِهِ مِن بَعْضٍ، فأقْضِي علَى نَحْوِ ما أسْمَعُ، فمَن قَضَيْتُ له مِن حَقِّ أخِيهِ شيئًا، فلا يَأْخُذْهُ فإنَّما أقْطَعُ له قِطْعَةً مِنَ النَّارِ)([3])، فاقتضى هذا أنه لا يجوز لصاحب الشهادة كراؤها، فهو آثم على فعله ولا يجوز للمستأجر لها استعمالها، فكل من استأجرها أو تداولها فهو آثم، والمال الذي ينتج من هذا الاستعمال يعدّ حرامًا.
والله – تعالى- أعلم.
[1]– أخرجه مسلم في صحيحه (146).
[2]– أخرجه البخاري برقم (5976).
[3]– أخرجه البخاري برقم (7169).