الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فيجوز المسح على الجوربين، والأصل فيه ما رواه المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – (توضأ ومسح على الجوربين، والنعلين)([1])،والأصل فيه أيضًا ما قاله عدد من الصحابة، منهم عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب والبراء بن عازب وعبد الله بن مسعود وأنس بن مالك- رضي الله عنهم-([2]). كما أجاز المسح عليهما عدد من التابعين، منهم سعيد بن المسيب ([3]). وقال أبو يوسف ومحمد صاحبا أبي حنيفة بجواز المسح عليهما، إذا كانا ثخينيْن ولا يبدو ما تحتهما، وتوسع في ذلك شيخ الإسلام وقال: والصواب أنه يمسح على اللفائف، وهي بالمسح أولى من الخف والجورب؛ فإن تلك اللفائف إنما تستعمل للحاجة في العادة وفي نزعها ضرر إما إصابة البرد وإما التأذي بالحفاء، وإما التأذي بالجرح، فإذا جاز المسح على الخفين والجوربين، فعلى اللفائف بطريق الأولى.
ومن ادعى في شيء من ذلك إجماعًا فليس معه إلا عدم العلم، ولا يمكنه أن ينقل المنع من عشرة من العلماء المشهورين، فضلًا عن الإجماع… فمن تدبر ألفاظ الرسول – صلى الله عليه وسلم – وأعطى القياس حقه، وعلم أن الرخصة منه في هذا الباب واسعة، وأن ذلك من محاسن الشريعة، ومن الحنفية السمحة التي بعث بها) ([4]).
فاقتضى ما ذكر جواز المسح على الجوربين وما في معناهما، ولكن يشترط في هذا المسح أن يكون صاحبهما متوضئًا عند إدخالهما؛ لما رواه المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- قال : (كنت مع النبي – صلى الله عليه وسلم – ذات ليلة في سفر، فقال: (أمعك ماء)؟ قلت: نعم، فنزل عن راحلته، فمشى حتى توارى عني في سواد الليل، ثم جاء، فأفرغت عليه الإداوة، فغسل وجهه ويديه، وعليه جبة من صوف، فلم يستطع أن يخرج ذراعيه منها، حتى أخرجهما من أسفل الجبة، فغسل ذراعيه، ثم مسح برأسه، ثم أهويت لأنزع خفيه، فقال: (دعهما، فإني أدخلتهما طاهرتين) فمسح عليهما)([5]).
وحاصل القول جواز المسح على الخفين وما في حكمهما على أن يكون إدخال الرجلين بعد طهارة. ويستمر المسح للمقيم يومًا وليلة وللمسافر ثلاثة أيام بلياليها، ولا ينزع الخفين خلال هذه المدة إلا في جنابة . والله -تعالى- أعلم .
[1] – أخرجه أبو داود برقم (159).
[2] -المغني 1 / 294، 295.
[3] -المغني 1 / 294، 295.
[4] – الفتاوى الكبرى لابن تيمية ص 1ج319.
[5] – أخرجه البخاري برقم (5799).