سؤال من الأخ أيمن من الجزائر، عن حکم من کان یعمل في شيء حرام، وهو لا یعلم بأنه حرام، وکانت نیته بأنه حلال، فهل ماله حلال؟

حكم المال من عمل تبين أنه حرام

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد:

فإن الله -عز وجل- حكم -وحكمه الحق- ألا يأكل العبد إلا ما أحله الله له من الطعام والشراب واللباس. والأصل في هذا كتاب الله وسنة رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-، وإجماع الأمة والمعقول:

أما الكتاب: فقوله -عز وجل-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّبًا} [البقرة: 168]، وقوله -عز ذكره-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172]، وقوله -جل في علاه-: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [المؤمنون: 51]، فالأمر بالأكل من الطيبات واجتناب المحرمات، أمر لازم لا ينفك عن المسلم في كل حياته.

وأما السنة: فما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (… ثم ذكر الرجل، يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنَّى يستجاب لذلك؟)([1])، وقوله -عليه الصلاة والسلام-: (إنه لا يربو لحم نبت من سحت، إلا كانت النار أولى به)([2]).

 وأما الإجماع: فإن الأمة مجمعة في سلفها وخلفها، على وجوب الأكل من الطيبات، وتحريم المحرمات: كالربا والغش في المعاملات.

وأما المعقول: فإن العبد محكوم بما حكم الله به، فإما أن يستجيب لهذا الحكم، وهو ما يقتضيه العقل، وإما أن يزيغ عنه، ولكل من هذا الفعل وذاك جزاء من الخير والشر. ولم يتبين من سؤال الأخ طبيعة (الشيء)، الذي كان يعمل فيه، فيفترض أنه كان يعمل لدى مؤسسة أو شركة ربوية، ويتقاضى عن عمله أجرًا شهريًّا، ولكنه لم يعلم عن خفايا عمل الشركة، وما تتعامل به، ثم اتضح له: أن ما يتقاضاه من الأجر يعد مالًا حرامًا، وعلى هذا الافتراض لعله لا جناح عليه فيما مضى من عمله؛ لأنه ارتكب عملًا غير متعمد منه، وقد رفع الله عن عباده الخطأ في قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “رُفِعَ عن أُمَّتِي الخطَأَ والنِّسيانَ وما اسْتُكرِهُوا عليْه”([3])، ولأنه أصبح يعلم أن المؤسسة أو الشركة تتعامل بالربا، فالواجب عليه البحث عن عمل آخر؛ لأن الربا من المحرمات، وليس من الطيبات الذي أمر الله بالأكل منها، فإن لم يكن له مصدر رزق أو لأسرته غير هذا العمل، فيستمر فيه حتى يجد له عملًا آخر كما ذكر.

والله -تعالى- أعلم.

[1] – أخرجه مسلم برقم (1015).

[2] – أخرجه الترمذي برقم (614)، صححه الألباني في صحيح الترمذي، (٦١٤).

[3] صحيح الجامع للشيخ محمد ناصر الدين الألباني رقم (3515)، قال شعيب الأرنؤوط في تخريج صحيح ابن حبان، (٧٢١٩): إسناده صحيح على شرط البخاري..