الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن العبد يتعرض للضراء من الحزن والمرض، كما يتعرض للسراء من الولد والمال، أو نحو ذلك مما يمنحه الله له من النعم، أو يصرف عنه من المرض وغيره، فيسر لذلك، فيجد أن المنعم عليه هو الله فيخر له ساجدًا يشكره على نعمه، مستذكرًا قوله – عز وجل- : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)(إبراهيم:7) والأصل في هذه السجدة ما رواه عبد الرحمن ابن عوف- رضي الله عنه- قال: دخلت المسجد ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – خارج من المسجد، فتبعته أمشي وراءه وهو لا يشعر حتى دخل نخلًا، فاستقبل القبلة، فسجد فأطال السجود، وأنا وراءه حتى ظننت أن الله قد توفاه، فأقبلت أمشي حتى جئته فطأطأت رأسي أنظر في وجهه فرفع رأسه، فقال: «ما لك يا عبد الرحمن»؟ فقلت: لما أطلت السجود يا رسول الله، خشيت أن يكون توفي نفسك فجئت أنظر، فقال: ( إني لما دخلت النخل لقيت جبريل، فقال: إني أبشرك أن الله يقول من سلم عليك سلمت عليه، ومن صلى عليك صليت عليه)([1]). وروى البيهقي أن علي ابن أبي طالب -رضي الله عنه-كتب إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بإسلام (همدان )، فلما قرأ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الكتاب خر ساجدًا، ثم رفع رأسه، فقال: «السلام على همدان، السلام على همدان)([2]). والأصل في فضل سجدة الشكر ما رواه أبو بكرة- رضي الله عنه-:( أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان إذا أتاه أمر يسره أو بشر به، خر ساجدًا؛ شكرًا لله- تبارك وتعالى-)([3]).
فعلى هذا فإن سجدة الشكر سنة وليست بواجبة، ولا يشترط أن تكون في الصلاة، كما لا يشترط لها وضوء أو تكبير أو نحو ذلك، بل يكفي أن يخر العبد ساجدًا لله، شاكرًا له على ما أنعم به عليه من السراء، وما دفع عنه من الضراء . والله – تعالى- أعلم .
[1] – أخرجه الحاكم في المستدرك برقم (810).
[2] – أخرجه البيهقي في معرفة الآثار والسنن برقم (4744).
[3] -أخرجه ابن ماجة برقم (1394).