سؤال من الأخ أحمد، يقول: ما حكم إمامة من يرتكب الكبائر، ويعمل عمل قوم لوط، ويزني، علما بأنه حافظ للقرآن؟ وقد اختلف أهل القرية: بين موافق له، ومن ترك الصلاة خلفه. أرشدونا مأجورين، جزاكم الله خيرًا.

حكم إمامة من يرتكب الكبائر

   الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه ورسوله الأمين، وعلى آله وأصحابه ومن اقتفى أثرهم إلى يوم الدين، أما بعد:

    فظاهر السؤال أن إمام المسجد المشار إليه في السؤال، يرتكب كبائر الذنوب ومنها كبيرة اللواط، والأصل أن الله حرم الفواحش والكبائر في كل أسمائها وظاهرها وباطنها، فجمع بينها وبين الإثم بغير الحق، والشرك والقول على الله بدون علم، فقال -جل في علاه-لنبيه : (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)(الأعراف:33)، ومن يرتكب الفواحش يكون معرضًا عن الله وذكره وأوامره ونواهيه،  وقد وعده الله معيشة ضنكًا  في قوله -عز ذكره- : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)(طه:124) .

  وحسب ما جاء في السؤال -والعهدة على صاحبه- فهذا الإمام لا تجوز إمامته للناس؛ لأنه من الفساق.

قال الإمام القرطبي: وأمّا الفاسق بجوارحه كالزاني وشارب الخمر ونحو ذلك فاختلف المذهب –المالكي- فيه، فقال ابن حبيب: من صَلَّى وراء من شَرِب الخمر فإنه يُعيد أبدًا ـ حتمًا إلا أن يكون الوالي الذي تؤدى إليه الطاعة، فلا إعادة على من صَلَّى خلفه إلا أن يكون حينئذ سَكْرانَ، قاله من لَقِيتُ من أصحاب مالك. ثم ذَكَر القرطبي حديثًا فيه: “ولا يَؤمَّنَّ فاجِرٌ  بَرًّا إلا أن يكون ذا سلطان” وحَكَم بأنه ضعيف([1]).وقالوا لا يقدم الفاسق للإمامة([2]).

 وقال الحنابلة بعدم إمامة الفاسق  مطلقًا، أي سواء كان فسقه بالاعتقاد أو بأفعال محرمة، وسواء أعلن فسقه أو أخفاه ؛لقوله – تعالى- : (أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا  لَّا يَسْتَوُونَ )(السجدة: 18) ويعيد من صلى خلف فاسق مطلقًا)([3]) إذا كان ذلك ممكنًا.

ولا تُشترَطُ العدالةُ في الإمامِ؛ فالصَّلاةُ خلف الفاسقِ جائزةٌ مع الكراهةِ، وهو مذهبُ الحَنَفيَّة([4]) والشافعيَّة([5]).

المجموع للنووي ج4ص287، مغني المحتاج للشربيني ج1ص242.

فخلاصة ما ذكر أنه لا تجوز إمامة المذكور في السؤال، إلا إذا تاب إلى الله وعمل صالحًا، وحقق التوبة بشروطها، أما إذا بقي على حاله فلا تجوز إمامته، ولا يجوز للمصلين أن يطلبوا إمامته. وأما حفظه للقرآن -كما ورد في السؤال- فلا يغير في الأمر شيئًا؛ لأن القرآن بيّن الحلال والحرام، وبيّن تحريم الفواحش، فلا يكفي حفظه؛ لأن الحفظ الحقيقي للقرآن العمل بما فيه من الأمر والنهي. نسأل الله -عز وجل-  الهداية لكل مذنب. إنه ولي ذلك والقادر عليه.

[1] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج 1 ص 326.

[2] مواهب الجليل لشرح مختصر خليل ج 2 ص 8.

[3] – شرح منتهى الإرادات 1/257 وكشاف القناع 1/474.

[4] الهداية للمرغيناني ج1ص57،وتبيين الحقائق للزيلعي ج1ص134.

[5] المجموع للنووي ج4ص287، مغني المحتاج للشربيني ج1ص242.