سؤال من الأخ أبي هشام. من الجزائر، يقول: ما الحكم الشرعي الذي يطلق على المرأة التي تصوم في الحيض؟ أهي فاسقة عاصية؟ أم أنها تسلم من هذه الأحكام مادامت قد خالفت في أمر ظني ومن المسائل الفرعية العملية؟

المرأة التي تصوم وهي في حيضتها

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فظاهر سؤال الأخ عن حكم المرأة التي تصوم وهي حائض.

والجواب: إن الله -عز وجل- بين الأحكام وحدد الحدود، كما بينها رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- في رسالته، فما على العبد إلا أن يعلم بهذه الأحكام، فإن لم يكن يعلمها وجب عليه سؤال من يعلمها، كما قال الله -عز ذكره- : {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل:43].

ومن أحكام الله التي بينها في كتابه أن الحيض أذى أي نجس، وأن على النساء أن يتطهرن من هذه النجاسة حين يناجين ربهن في صلاتهن وصومهن، كما بين -عز وجل- أنه يحب المتطهرين من الأنجاس والأقذار، فقال -تقدس اسمه- : {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة:222]. وقد اشتملت هذه الآية على عدة أحكام منها: البيان بأن الحيض أذى وأن على الرجال أن يعتزلوا زوجاتهم حال حيضهن، والاعتزال يشمل الجماع حتى يطهرن، وقد عظم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر هذا الاعتزال بقوله في حديث أبي هريرة رضي الله عنه:” من أتى كاهِنًا فصدَّقَه بما يقولُ أو أتى امرأتَه حائضًا أو أتى امرأتَه في دُبرِها فقد برِئَ ممَّا أنزِلَ على محمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- “([1]).

ومن أحكام الآية: البيان للعباد أن الله طاهر في ذاته العلية، وأنه يحب التوابين من النجاسات و المتطهرين منها.

ومن يتجاوز هذه الأحكام إما أن يكون جاهلًا، وهذا يجب عليه أن يتعلمها ممن يعلمها، وإن كان عامدًا لها فقد ظلم نفسه، وعليه أن يتوب إلى الله ويستغفره من ذنبه، وفي هذا قال -جل في علاه-: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 140]. فيقابل هذا الظلم التوبة والاستغفار وعدم الإصرار على المعصية.

هذا في عموم المسألة، أما عن سؤال الأخ عن الوصف لفعل المرأة بالفسق أو المعصية فالأهم تبصيرها أولًا بسوء الفعل، فإن كانت جاهلة بالحكم وجب تعليمها، وعليها التوبة إلى الله، وإن كانت عامدة وجب أيضًا تبصير ها بأن ما فعلته معصية وظلم نفسها، وعليها التوبة النصوح، ثم قضاء الأيام التي صامتها وهي في حال الحيض، وكذلك وقضاء ما صلته من صلاة وهي في تلك الحالة؛ لأن صومها وصلاتها وهي في حيضها عمل فاسد يجب تصحيحه بعد طهارتها من الحيض.

والله -تعالى- أعلم.

[1] أخرجه أبو داود (3904) واللفظ له، والترمذي (135)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (9017)، وابن ماجه (639)، وأحمد (10167) وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم(3904).