سؤال من الأخ أبي محمد .. من الجزائر، أما بعد: أفتونا -بارك الله فيكم- في امرأة تملك محلًّا تجاريًّا يستعمل للإيجار ،ولا تملك من المال والعقار إلا هذا المحل التجاري؛لأنها تسكن مع ابنها فأرادت أن تجعل ريع هذا المحل وقفًا على من كان عائلًا من أولادها وبناتها، أي من كان محتاجًا أو حل به ظرف قاهر، كالمرض أو غيره، هل يجوز لها ذلك- بارك الله فيكم- لأنها أرادت أن تجعله وصية، فقيل لها: إن ذلك لا يجوز، فهل يجوز هذا الوقف ؟

الوصية بكل المال

      الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فظاهر السؤال أن امرأة تملك محلًّا تجاريًّا تضعه للإيجار، وليس لها مال غيره، وتريد أن توصي بريعه للمحتاج من أولادها.

والأصل في الوصية لمن له ورثة أن تكون وصيته بالثلث فقط، والباقي لورثته من بعده، أي يكون له الثلث ليتصرف فيه لمنفعته في حياته وبعد مماته، وفي هذا قصة  سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-  قال جاءني رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي ، فقلت : يا رسول الله ، قد بلغ بي من الوجع ما ترى، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة لي، أفأتصدق بثلثي مالي؟ قال رسولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: (لا، فقلت: فالشطر ؟ قال: لا ، ثم قال رسولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: الثلث والثلث كثير، إنك إن تذر  ورثتك أغنياء ، خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله ، إلا أجرت حتى ما تجعل في في امرأتك: قال: فقلت : يا رسول الله، أأخلف بعد أصحابي؟ فقال رسولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: إنك لن تخلف، فتعمل عملًا صالحًا، إلا ازددت به درجة ورفعة، ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون)([1]).

هذا هو الأصل في الوصية من حيث العموم، والجواب عن السؤال أنه لا يجوز للمرأة أن توصي بكل ربع محلها للورثة، وإنما لها أن توصي بثلث ربع المحل، وتتمتع به في حياتها فيما تضعه لنفسها من الصدقة وغيرها من أعمال البر، التي تنفعها بعد مماتها. وما يبقى بعد الثلث يكون للورثة.

     ومن الجدير بالإشارة إلى أنه يستحب لها أن تعين من أبنائها أو بناتها (ناظرًا) للوقف؛ لإنفاذ وصيتها ومنع التنازع بين أولادها.

    فالحاصل أنه لا يجوز للمرأة أن توصي بكل ريع محلها، بل توصي بالثلث فقط لمنفعتها، وما يبقى من الربع فللورثة. والله -تعالى-أعلم.

[1]  رواه البخاري (2742) ومسلم (1628) .