والجواب: أنه ينبغي التفريق بين ثلاثة أمور: الأول إن كان يحج عن غيره متطوعًا أو أجيرًا، فهذا يعد نائبًا عنه تنطبق عليه أحكام النيابة، فإن كان المنوب عنه حيًا فيشترط أن تكون النيابة بإذنه في حال عجزه أو مرضه؛ لما رواه ابن عباس-رضي الله عنهما- أن امرأة من خثعم قالت: يا رسول الله ﷺ إن أبي أدركته فريضة الله في الحج، وهو شيخ كبير لا يستطيع أن يستوي على ظهر بعير أفأحج عنه؟ فقال: حجي عنه([1]). وإن كان المنوب عنه ميتًا فالإنابة مطلقة، فإذا مات المسلم ولم يكن قد حج وجب الحج عنه؛ لما رواه ابن عباس -رضي الله عنهما- أن امرأة ذكرت للنبي ﷺ أن أباها مات ولم يحج، فقال -عليه الصلاة والسلام-: حجي عن أبيك([2]).
وعلى النائب عن غيره متطوعًا أو مأجورًا أن يكون قد حج عن نفسه أولًا؛ لما رواه أيضًا عبدالله بن عباس- رضي الله عنهما- أن رسول الله ﷺ سمع رجلًا يقول: لبيك عن شبرمة، قال -عليه الصلاة والسلام-: «من شبرمة؟» فقال: أخ لي أو قريب لي، فقال: «أحججت عن نفسك؟» قال: لا قال: «حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة»([3]).
الأمر الثاني: إن كان من يطوف ويسعى ينوي الحج أو العمرة عن نفسه، ولكنه يساعد أبويه أو أحدهما أو أي قريب أو صديق له، فيطوف ويسعى به في (عربة)، فطوافه وسعيه وسائر أعمال حجه أو عمرته يعود إليه، والأساس في هذا نيته وقصده؛ لأن الأعمال بالنيات، لما رواه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن رسول الله ﷺ قال: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه»([4]).
الأمر الثالث: إن كانت نيته الطواف أو السعي بوالديه أو أحدهما وهو لا ينوي الحج أو العمرة عن نفسه فلا حج له ولا عمرة، ولو كان يطوف أو يسعى بهما، فيكون أجره في بر والديه فحسب.
والحاصل في المسألة: أن من أراد الحج أو العمرة بوالديه أو أحدهما، وهو في الوقت نفسه ينوي الحج أو العمرة عن نفسه، فعليه استصحاب النية في ذلك، فيجب عليه في حال الحج أو العمرة أن يقوم بالعمل مستقلًّا بهما عن والديه، فيطوف ويسعى ويرمي في حجه عن نفسه، فيقتصر عمله لوالديه على مساعدتهما، فهو بهذا يفعل الحسنيين الحج أو العمرة والبر لوالديه، أما إن كان عمله يقتصر على مساعدتهما دون أن يكون له نية في الحج أو العمرة، فيكون أجره في بر والديه فحسب. والله أعلم.
([1]) أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب الحج عمن لا يستطيع الثبوت على الراحلة برقم (1853) فتح الباري ج4 ص79.
([2]) أخرجه البخاري في كتاب الحج، باب حج المرأة عن الرجل برقم (1855) فتح الباري ج4 ص80.
([3]) أخرجه أبو داود في كتاب الحج، باب الرجل يحج عن غيره برقم (1811)ج2 ص100، صححه الألباني في صحيح الجامع، (٣١٢٨).