الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
الأصل ألا يَمَسَّ المصحفَ إلا طاهرٌ؛ لقول الله-عز وجل-: ﴿إنَّه لقرآن كريم*فِي كِتَابٍ مَكْنُون*لا يَمَسُّهُ إلَّا المُطَهَّرُون﴾ (الواقعة: 77-79)، والأصل فيه-أيضًا-ما كتبه رسول الله-صلى الله عليه وسلم-لأهل اليمن: «لا يمس القرآن إلا طاهر»([1]).
أما القراءة عن ظهر قلب دون مس المصحف فقيل بجوازها دون طهارة من الحدث الأصغر .
أما من عليه جنابة فهذا لا يمس المصحف، ولا يقرأ القرآن عن ظهر قلب حتى يغتسل من جنابته، ويتطهر منها؛ لما رواه علي بن أبي طالب-رضي الله عنه-أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: «كان لا يحجزه شيء عن قراءة القرآن إلا الجنابة»([2]). ولما رَوَى عليٌّ-رضي الله عنه-أيضًا-أنه-عليه الصلاة والسلام-لما خرج من الغائط قرأ، وقال: هذا لمن ليس بجنب، أما الجنب فلا، ولا آية»([3]).
أما القراءة من الجوال (محل السؤال) فهذا من النوازل المعاصرة، فهو، وإن كان لا يشبه المصحف، إلا أنه يختزن كلام الله المنزل، ومن يقرأ القرآن من خلال الجوال له حالتان:
الحالة الأولى: أن يقرأ فيه وهو قد أتى المسجد للصلاة، ففي هذه الحالة يكون طاهرًا، وقراءته للقرآن من خلاله محكومة بالطهارة.
الحالة الثانية: أن تكون قراءته من خلال الجوال خارج المسجد، كقراءته في بيته، ففي هذه الحالة الأحوط والأفضل أن يقرأ القرآن من خلال الجوال وهو طاهر، باستثناء حالات معينة مثل: وجوده في الطائرة أو السفينة، أو وجوده في مكان لا يتيسر له فيه الطهارة، ولا شك في أن قراءة القرآن على طهارة أفضل من نقيضها؛ ذلك أن المسلم وهو يقرأ كتاب ربه إنما يتعبده ويناجيه بهذه القراءة، ومن الفضل وعظيم الأجر أن يناجي العبد ربه ويتعبده وهو طاهر.
والحاصل: أن هناك قولًا بجواز القراءة في الجوال دون طهارة، ولعل الأحوط أن تكون هذه القراءة على طهارة.
والله تعالى أعلم.
[1] – أخرجه الإمام في الموطأ ص 199، حسنه السيوطي في الجامع الصغير، (٩٩٦٨)..
[2] – أخرجه ابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها، باب ما جاء في قراءة القرآن على غير طهارة برقم (594)، ضعف إسناده الألباني في هداية الرواة، (٤٣٨). وقال الترمذي: “حديث حسن صحيح”، وقال الحافظ ابن حجر: “والحق أنه من قبيل الحسن يصلح للحجة”.
[3] – أخرجه الإمام أحمد في مسنده ج2ص 220، قال ابن باز في مجموع فتاوى ابن باز، (١٥٠/١٠): إسناده جيد.