سؤال من الأخ … أبي الخير من جمهورية مصر العربية.

مبطلات الصوم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فيفسد الصوم بارتكاب الأفعال التالية:

أولا: الأكل أو الشرب عمدا: ويتم هذا بوصول الطعام أو الشراب إلى الجوف، سواء عن طريق الفم أم التغذية به من أي مكان في الجسم. والأصل عدم الأكل أو الشرب للصائم بعدما يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، لقول الله تعالى: {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ} [البقرة: 187]. فإن أكل أو شرب ناسيا فلا شيء عليه من قضاء أو غيره لقول رسول الله ﷺ: (من أفطر في رمضان ناسيا فلا قضاء عليه ولا كفارة)([1]).

ثانيا: الجماع: فإذا جامع الصائم في نهار رمضان بطل صومه ويأثم بفعله هذا إثما كبيرا، فإن كان جماعه حراما كان إثمه أعظم وأشد؛ لأنه يكون بذلك ارتكب محرمين عظيمين؛ جرم الزنى وجرم الإفطار في رمضان، ويلزم من جامع في نهار رمضان كفارة وهي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا، لكل مسكين بما يساوي كيلو ونصف الكيلو من الطعام المعتاد في مكانه كالبر أو الأرز. والأصل في ذلك أن رجلا جامع امرأته فجاء إلى رسول الله ﷺ فقال: هلكت يا رسول الله، فقال: (وما أهلكك؟) قال: وقعت على امرأتي في رمضان، فقال: (هل تجد ما تعتق رقبة؟) قال: لا، قال: (فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟) قال: لا، قال: (فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا؟) قال: لا، ثم جلس فأتي النبي ﷺ بعرق فيه تمر فقال: (تصدق بهذا) فقال: فهل على أفقر منا، فما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا، فضحك رسول الله ﷺ فقال: (اذهب فاطعم أهلك)([2]).

وتثور هنا مسألتان: المسألة الأولى: أن يكون الصيام بالتتابع، فلا يقطعه إلا بعذر شرعي، كما لو مرض أو أدركه يوم عيد، فإن قطع صيامه دون عذر لزمه استئنافه من جديد.

المسألة الثانية: لعل الأخذ بأشد الكفارة هو الأولى، فإذا كان عتق الرقبة غير وارد في هذا الزمان فإن الكفارة المناسبة صوم شهرين متتابعين، فإطعام ستين مسكينا يسير على النفس، والصوم أشد منه فلعله الكفارة المناسبة، خاصة أن رسول الله ﷺ سأل السائل عن مدى استطاعته الصيام، فلو قال أستطيع؛ لألزمه به، فيقتضي هذا أن من يقدر على الصيام عليه أن يصوم.

ثالثا: إنزال المني: من عمد إلى إنزال المني عن طريق الشهوة المتأتية من التقبيل أو اللمس أو الاستمناء فقد بطل صومه، وهذا البطلان مقيد بما يخرج منه، فإن قبل أو لمس ولم يخرج منه مني لم يبطل صومه، لما ورد من حديث عائشة -رضي الله عنها-: «أن رسول الله ﷺ كان يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم ولكنه كان أملككم لإربه»([3]).

ولا يبطل صوم من احتلم وهو نائم، ولا صوم من كان يفكر فأنزل؛ لأن ذلك لم يكن بإرادته، فاقتضى هذا العفو عن فعله؛ لأن المؤاخذة تبنى على العمد والاختيار.

رابعا: القيء العمد: يفسد صوم من أخرج من جوفه طعاما أو شرابا، فإن غلبه دون إرادته فلا شيء عليه، لقول رسول الله ﷺ فيما رواه أبو هريرة: (من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ومن استقاء عمدا فليقض)([4]).

خامسا: ما يغذي الجسم فيما هو في معنى الأكل أو الشرب: يفسد صيام من يتغذى بالحقن المقوية للجسم، ولا يدخل في ذلك الحقن الشرجية، أو الإبر غير المغذية، أو قطرات العين التي يقصد منها العلاج؛ ولا تكون في طبيعتها مغذية أو مقوية للجسم.

سادسا: الحيض والنفاس: يفسد صوم من حاضت أو نفست لقول النبي ﷺ: (أليس إحداكن إذا حاضت لم تصل ولم تصم)([5]). وقد أجمع العلماء على فساد صوم الحائض والنفساء إذا فاجأهما الدم ولو لمدة قليلة قبل إفطارهما. وتقضيان الصوم ولا تقضيان الصلاة.

سابعا: خروج الدم من الصائم: لخروج الدم حالتان: الحالة الأولى: إن كان الدم يسيرا، كالذي يخرج من الأسنان، أو الرعاف اليسير أو الجروح البسيطة من أجزاء الجسم فهذا لا يفسد الصوم.

الحالة الثانية: إن كان الدم كثيرا، كالذي يخرج من الحجامة فهناك خلاف بين الفقهاء حول ما إذا كانت الحجامة تفسد الصوم أو لا تفسده:

ففي مذهب الإمام أبي حنيفة وأصحابه: يرون أنها لا تفسده، والإمام مالك: يراها غير مفسدة للصيام إلا أنها غير مستحبة أو مكروهة، والإمام الشافعي: يراها غير مفسدة للصيام. أما الإمام أحمد: فيرى أنها تفطر، ويجب عنده تركها في أثناء الصوم.

ولعل الأحرى بالصواب عدم إفساد الحجامة للصوم لما ورد في الصحيح أن رسول الله ﷺ احتجم وهو صائم([6]). وخروجا من الخلاف لعل من المناسب للصائم عدم الاحتجام ما لم يكن ثمة حاجة تقتضيه.

والله -تعالى- أعلم.

([1]) أخرجه الحاكم في المستدرك في كتاب الصوم وقال: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه»، المستدرك على الصحيحين، ج1 ص595، برقم (1569).

([2]) أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء فتصدق عليه فليكفر، وباب المجامع في رمضان هل يطعم أهله من الكفارة إذا كانوا محاويج؟ فتح الباري، ج4 ص193، 204، برقم (1936، 1937).

([3]) أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب المباشرة للصائم، فتح الباري، ج4 ص176، برقم (1927)

([4]) أخرجه أبو داود في كتاب الصوم، باب الصائم يستقيء عامدا، سنن أبي داود، ج2 ص310، برقم (2380)، صححه الألباني في صحيح أبي داود، (٢٣٨٠).

([5]) أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب الحائض تترك الصوم والصلاة، فتح الباري، ج4 ص225-226، برقم (1951).

([6]) أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب الحجامة والقيء للصائم، فتح الباري، ج4 ص205، برقم (1938).