الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فالأصل ألا يخص يوم بصوم إلا أن يكون مفروضا كيوم من شهر رمضان، أو كان الصوم نتيجة نذر أو كفارة أو قضاء فائت، أو نحو ذلك مما لا يراد منه خص يوم بعينه بالصوم. والأصل في ذلك ما روي أن رسول الله ﷺ دخل على جويرية بنت الحارث وهي صائمة يوم الجمعة، فقال: (أصمت أمس؟) قالت: لا، قال: (فتصومين غدا؟) قالت: لا، قال: (فأفطري)([1]). فدل هذا على كراهية إفراد يوم الجمعة بصوم رغم أفضليته للمسلم، وهذا النهي لغيره أولى.
أما صيام يوم السبت فقد ورد النهي فيه صراحة، لما رواه يزيد ابن الصماء أن رسول الله ﷺ قال: (لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم، وإن لم يجد أحدكم إلا لحاء عنب «عنبة» أو عود شجر فليمضغه «فليمضغها»([2]). وما رواه أيضا عبدالله بن بشر أن النبي ﷺ قال: (لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم)([3]).
وقول رسول الله ﷺ: (فإن لم يجد إلا لحاء عنب فليمضغه) تأكيد وجوب الفطر في هذا اليوم؛ لأنه يوم تعظمه اليهود فنهى عن إفراده بصوم. وهذا النهي للتحريم وقيل إن النهي عن صومه والنهي عن صوم يوم الجمعة نهي تنزيه لا تحريم([4]). ولعل الصواب أنه نهي تحريم؛ لأن التشبه للتحريم لقول رسول الله ﷺ: (من تشبه بقوم فهو منهم)([5]).
والله -تعالى- أعلم
([1]) أخرجه البخاري في كتاب الصوم، باب صوم يوم الجمعة، فتح الباري، ج3 ص273، برقم (1986).
([2]) أخرجه أبو داود في كتابا لصيام، باب النهي أن يخص يوم السبت بصوم، عون المعبود شرح سنن أبي داود لشمس الحق العظيم آبادي، ج7 ص48، برقم (2418)، صححه الألباني في صحيح أبي داود، (٢٤٢١).
([3]) أخرجه الترمذي في أبواب الصوم، باب ما جاء في صوم يوم السبت، تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي للمباركفوري، ج3 ص372-373، برقم (741)، صححه الألباني في إرواء الغليل، (٩٦٠). وما افترض يتناول المكتوب والمنذور وقضاء الفوائت وصوم الكفارة وفي معناه ما وافق سنة مؤكدة كعرفة وعاشوراء..
([5]) أخرجه أبو داود في كتاب اللباس، باب في لبس الشهرة، سنن أبي داود، ج4 ص44، برقم (4031)، وأخرجه الإمام أحمد في المسند، ج2 ص50، صححه الألباني في صحيح الجامع، (٦١٤٩).