الأصل أن كل ما يعد للبيع فيه زكاة، لما رواه سمرة بن جندب بقوله: «أما بعد، فإن رسول الله ﷺ كان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذي نعده للبيع»([1]). وما رواه أبو عمر بن حماس عن أبيه قال: «كنت أبيع الأدم، فمر عمر بن الخطاب، فقال لي: أد صدقة مالك: فقلت: يا أمير المؤمنين إنما هو في الأدم، فقال: قوّمه، ثم أخرج صدقته»([2]). ومع ما قيل في صحة هذه الأحاديث([3])، فإن جمهور العلماء متفقون على أن في عروض التجارة زكاة.
ولا يتحقق إخراج زكاتها إلا بعد تقويمها، وللعلماء في هذا التقويم رأيان: الأول رأي عامتهم، وهو أن على التاجر أن يقوم زكاته كل عام ثم يخرج زكاتها([4]). الرأي الثاني: رأي المالكية ويرون أن التاجر إما أن يكون محتكرًا أو مديرًا، فالمحتكر من يوقف بيع سلعه انتظارًا لارتفاع الأسعار، فلا تجب عليه الزكاة كل حول فيما احتكره، إلا إذا أكمل ما باع به نصابًا، ولو في مرات وجبت عليه الزكاة، فلو مكثت عروضه سنوات، ثم باع ما عنده فليس عليه إلا زكاة عام واحد، والسبب في ذلك: أن الزكاة شرعت في المال النامي. أما المدبر فهو الذي يبيع عروضه بالسعر الحاضر، ثم يأتي بعروض أخرى كما هو الحال في محلات البيع الكبرى والصغرى التي تبيع للناس حاجاتهم اليومية، فهذا يزكي عروضه كل عام([5]). ويشمل التقويم كل ما يراد بيعه، أما ما كان من الثوابت في محل التجارة فلا يشملها التقويم؛ لأنه ليس محلَّا للبيع، ومن ذلك كما يقول الأحناف: القوارير المعدة لحفظ العطر عند التاجر، أما إن كانت هذه القوارير تباع مع العطر فتكون محلَّا للتقويم([6]). وتقوم العروض عند الحول بما فيها من النماء والربح، وما ينمو بعد الحول يضم إلى الحول الثاني، وتخرج الزكاة من قيمة العروض، وليس من أعيانها، ويشترط أن تبلغ النصاب ويدور عليها الحول.
هذا من حيث العموم أما ما سأل عنه الأخ السائل، فالأصل أن يقوم تجارته تقويمًا كاملًا، بحيث يخرج زكاتها كاملة بنقد بلده حتى تبرأ ذمته، وليس هذا الأمر مما يتعذر فعله، خاصة في هذا الزمان الذي أصبح فيه الحاسب الآلي متيسرًا، يستطيع أي تاجر من خلاله إحصاء تجارته إحصاءً دقيقًا، ومعرفة أثمانها وأسرارها، أما إن كان يتعذر عليه إحصاء تجارته لعذر مشروع فيقدرها. ويخرج زكاتها على أساس هذا التقدير، وأن يحتاط في ذلك بما يبرئ ذمته. والله أعلم.
([1]) أخرجه أبو داود في كتاب الزكاة، باب العروض إذا كانت للتجارة وهل فيها زكاة، انظر عون المعبود للعظيم آبادي ج2 ص297، ضعفه الألباني في ضعيف أبي داود، (١٥٦٢).
([2]) سنن الدارقطني، باب تعجيل الصدقة قبل الحول ج1 ص125، برقم 13، قال شعيب الأرنؤوط في تخريج سنن الدارقطني، (٢٠١٨): إسناده حسن.
([3]) إرواء الغليل للألباني ج3 ص310-311.
([4]) المدونة الكبرى، للإمام مالك، رواية سحنون بن سعيد، ج1 ص 225.
([5]) المدونة الكبرى للإمام مالك، رواية سحنون بن سعيد ج1 ص2252.