سؤال من الأخ… آدم من الجزائر عن معنى قول الله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق}، وهل الواو للترتيب؟.

تفسير قول الله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق}

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وصحبه أجمعين، وبعد،،

فبعد أن ذكر الله عز وجل أنه أمر نبيه وخليله إبراهيم عليه السلام أن يؤذن في الناس بالحج في قوله: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيق} [الحج:27]. قال عزوجل: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِير} [الحج:28]. {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق} [الحج:29]. لقد بنى إبراهيم البيت، ولما فرغ منه قيل له أذن في الناس بالحج أي أعلمهم به فقال: يا رب وما يبلغ صوتي؟ فقال الله عزوجل: أذن وعلي البلاغ. فصعد إبراهيم على جبل أبي قبيس وصاح قائلًا: أيها الناس إن الله قد أمركم بحج هذا البيت فحجوا فأجابه ملبيًا من كان في أصلاب الرجال والنساء ممن كتب الله لهم الحج([1]). وهاهم يأتون من أصقاع الدنيا تلبية لنداء الله الذي أمر به نبيه إبراهيم، وقد أراد الله من مجيئهم نفعهم في الدنيا والآخرة؛ فمنافع الدنيا من التجارة والبيع والشراء، ومنافع الآخرة مدخرة لهم بالثواب، فالحج ركن من أركان الإسلام فرض على المستطيع، ولا يسقط هذا الفرض إلا بأدائه ممن فرض عليه، أو من ينوب عنه في حال عذره. وكل حج مبرور يحجه يجزى به، وجزاؤه الجنة، لقول رسول الله ﷺ: (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)([2]). {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ} هي عشر ذي الحجة إلى نهاية أيام التشريق على ما رزقهم من بهيمة الأنعام التي سخرها لهم، فيذبحونها أيام النحر بعد أن يذكروا اسم الله عليها، ويطعموا منها من اشتد بؤسه بسبب الفقر.

وقوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} أي بإزالة الأوساخ وما علق بهم طيلة مدة الإحرام في إقامتهم ورحيلهم وتنقلهم بين المشاعر، ثم يجب أن يوفوا نذورهم بذبح هديهم في الحرم، ثم {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق}، والمراد منه طواف الإفاضة لكونه ركن الحج الذي لا يصح إلا به، ولا يصح إلا بعد الوقوف بعرفات ورمي جمرة العقبة صباح يوم النحر.

و‏«‏الواو‏»‏‏ في قول الله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيق} ليست للترتيب ولكن الأفضل الترتيب؛ لأن رسول الله ﷺ لما أفاض من عرفات، وبات بمزدلفة، ووقف عند المشعر الحرام ثم دفع إلى منى بعد أن أصبح، ورمى جمرة العقبة، نحر هديه ثم حلق، ثم أفاض بالبيت، وطاف به طواف الإفاضة، فلو رمى الحاج جمرة العقبة، ثم أفاض قبل أن ينحر هديه، أو يحلق أو يقصر فلا جناح عليه.

والله تعالى أعلم.

([1]) تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري، ج10 ص144-145.

([2]) أخرجه البخاري في كتاب العمرة، باب العمرة، ووجوب العمرة وفضلها، فتح الباري، ج3 ص698، برقم (1773).