الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فالقسم بالله قسم عظيم، والله يقسم بما يشاء من آياته وكتابه كما قال-عز ذكره-: ﴿وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ﴾ (الواقعة: 76-77)، وقال-عز وجل-مخاطبا رسوله محمدًا-صلى الله عليه وسلم-: ﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ (الحجر:72)، والمراد بهم قوم لوط.
وقَسَمُ المخلوقين بالخالق يجب أن يكون صدقا؛ لأن المقسَمَ به أعظم من أن يكون القسم به كذبا، فإذا كذب المقسم في قسمه بالله فقد باء بالإثم والعذاب الشديد، والأصل فيه قول الله-تعالى-: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ﴾ (الأنعام:21)، وقول رسول الله-صلى الله عليه وسلم-فيما رواه أبو أمامة-رضي الله عنه-: «من اقتطع حقَّ امرئٍ مسلمٍ بيمينِه حرَّم اللهُ عليه الجنةَ، وأوجب له النارَ»([1]).
والسؤال عما إذا كان على الحالف كذبا كفارةٌ، فعند الجهمور من الحنفية([2]) والمالكية([3]) والحنابلة([4]): لا كفارة عليه، وعند الشافعية تجب عليه الكفارة([5]).
وأقول: يجب عليه أن يكفر عن يمينه، مع التوبة إلى الله، والاستغفار، ورَدِّ ما حلف عليه كذبًا. والله-تعالى-أعلم.
[1] -أخرجه مسلم (137) .
[2] شرح مختصر الطحاوي للجَصَّاص (7/376)، ومختصر القُدُوري (ص: 209).
[3] الكافي في فقه أهل المدينة لابن عبد البر (1/447)، والتاج والإكليل للموَّاق (3/271).
[4] الإقناع للحَجَّاوي (4/333)، وشرح منتهى الإرادات للبُهُوتي (3/443).
[5] مختصر المزني 8 /399.