سؤال من الأخت” M. a” من الجزائر تقول: أختي و زوجها اتهمتهما أم الزوج بالسرقة و المحكمة حكمت ببراءتهما، ثم انتقل الزوج والزوجة إلى بلدة أخرى بعيدة ومنذ عامين لم يتصل الزوج بأمه وأهله وهل هو يأثم بقطع الصلة عنهم لكونه يتعرض لأذى منهم؟

قطيعة الولد لأمه

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، أما بعد:

فظاهر المسألة أن أم الولد(الزوج ) اتهمت ولدها وزوجته بالسرقة ولكن المحكمة برأتهما وقد ذهب الولد بعيدا عن أمه ولم يتصل بها منذ عامين .

والجواب: أن بر الوالدين حكم حكم الله به على ولدهما و هذا  الحكم يقتضي ببرهما والإحسان إليهما وملاطفتهما خاصة عند كبرهما وهذا البر يقتضي أيضا  السؤال عنهما وكفالتهما إذا كانا محتاجين وفي هذا قال الله  جل في علاه : (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا)(الإسراء:23). وقد قرن الله الإحسان  إليهما بعد وجوب حقه في العبادة وعدم الشرك وهذا مما يدل على عظم حق الوالدين في الإحسان إليهما، فعن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: “الكبائرُ: الإشراكُ باللهِ، وعُقوقُ الوالِدَينِ، وقتلُ النَّفْسِ، واليَمينُ الغَموسُ”([1])ولما رأى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما رجلاً يحمل امرأة عجوزاً على ظهره ويطوف بها البيت الحرام. فسأله: مَنْ هذه؟ قال له: إنها أمي، أتراني قد وفيتها حقها يا ابن عمر؟ فقال له ابن عمر: والله مهما فعلت بها فلن يعدل ذلك طلقة واحدة طلقتها فيك ساعة ولادتها([2]). يقصد رضي الله عنهما طلق الولادة  فالمعنى أن أمر بر الوالدين أمر عظيم فلما سأل أحد الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه فَقالَ: مَن أَحَقُّ النَّاسِ بحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قالَ:” أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أَبُوكَ”([3]).

 هذا في عموم المسألة أما عن السؤال فلا يجوز للابن عق أمه لأنها استهمته بالسرقة، فعدم زيارتها وعدم التواصل معها يعد عقوقا وقد سماء الله عزوجل فسادا في الأرض ولعن القاطع لرحمه قال جل في علاه:” فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ، أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ “(محمد:22-23) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما:” لعن اللهُ مَن عقَّ والدَيه”([4]).

لهذا على الابن المشار إليه الاستغفار مما عمل وصلة أمه والبر بها وطلب عفوها عنه حتى لا يقع في الإثم ويقدم عليه.

والله تعالى أعلم

[1]   أخرجه البخاري (6675).

[2] -وذكره الذهبي عن ابن عمر موقوفا في الكبائر (1/ 42)والهيثمي عن ابن عمر موقوفا في الزواجر (2/ 650)و السرخسي عن ابن عمر موقوفا في المبسوط (10/ 151).

[3] -أخرجه البخاري (5971)، ومسلم (2548)

[4] أخرجه أحمد (2816)، وابن حبان (4417)، والحاكم (8052) واللفظ له وصححه  الألباني في السلسلة الصحيحة برقم(3462).