سؤال من الأخت” H.i ” من المغرب تقول: إذا تعرضت امرأة متزوجة للاغتصاب، وحملت في الحرام يعني ليس من زوجها هل يجوز لها أن تسقط هذا الجنين حفاظا على شرفها وشرف زوجها، هي لا تستطيع ولا تتحمل أن تحمل من الحرام، وتلد ولدا يربيه شخص هو ليس أباه؟

حكم إسقاط الجنين الذي تعرضت أمه للاغتصاب

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، أما بعد:

فظاهر السؤال أن الأم تعرضت للاغتصاب ونتج عن ذلك حمل وتسأل عما إذا كان يجوز إسقاطه حفاظا على شرفها.

والجواب على السؤال: أن الله عز وجل حرم قتل النفس فقد عظم هذا القتل بقوله عز ذكره: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) (الإسراء:33)، وقوله تقدس اسمه: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)  (النساء:93)، ووصف عز وجل عباد الرحمن بأنهم لا يقتلون النفس لحرمتها بقوله جل في علاه: (وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) (الفرقان:68).

أما في السنة فقد عظم الله النبي -صلى الله عليه وسلم- قتل النفس بغير حق بقوله فيما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنه-: “والَّذي نفسي بيدِهِ لقَتلُ مؤمنٍ أعظمُ عندَ اللَّهِ من زوالِ الدُّنيا”([1])، وقوله -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه أبو الدرداء -رضي الله عنه-: “كلُّ ذنْبٍ عسى اللهُ أن يغفِرَه، إلَّا مَن مات مُشركًا، أو مؤمِنٌ قتل مؤمِنًا مُتعمِّدًا”([2]).

وقد أجمعت الأمة في سلفها وخلفها على تحريم قتل النفس بغير حق، وأن من قتلها بدون هذا الحق يخلد في النار؛ لقوله تعالى: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) (النساء:93)، كما أجمع الفقهاء رحمهم الله على تحريم هذا القتل([3]).

هذا في عموم المسألة: أما عن سؤال الأخت ففيه تفصيل فإن كان الحمل ما زال في بدايته، بمعنى أنه لم يكمل خلقه، فقد يجوز إسقاطه مع التأكيد على أن هذا الإسقاط بسبب الاغتصاب الذي تعرضت له الأم، فهذا الإسقاط من باب الضرورة، أما إن كان الحمل قد بلغ مائة وعشرين يوما (أربعة أشهر)، فيحرم إسقاطه؛ لأنه أصبح نفس مؤمنة مثله مثل أي نفس أخرى، له نفس الحقوق التي لها، والتعرض لها بالإسقاط يعد اعتداء عليها، يشمله ما ورد في كتاب الله من العقوبة والإثم.

أما ما أشارت إليه السائلة عن شرفها، ومعاناتها فعليها أن تحتسب عند الله ما أصابها.

أما بالنسبة للولد فإن كان خلقه قد اكتمل أي بلغ مائة وعشرين يوما، وكان المغتصب معلوما، وجب إلزامه به فيلحق به وينسب إليه، ويكون هو المسئول عنه، أما إن كان غير معلوم فالأم بين خيارين: أن تقبل تربية الولد إذا وافق زوجها، ولها في ذلك أجر عند الله؛ لأن هذا الولد خلق من خلق، ولا يجوز أي يضيع، فإن لم تستطع الأم لأي سبب فيمكن تسليم الولد بعد ولادته إلى دار الرعاية الاجتماعية، أو نحوها، فهي تمثل السلطان وهذا ولي من لا ولي له.

فالحاصل: أن الحمل إذا كان في بدايته فيجوز إسقاطه بحكم الضرورة وهي هنا الاغتصاب، أما إن كان الحمل قد بلغ مائة وعشرين يوما فيحرم إسقاطه، فإن كان أبوه معلوما فيلحق به، ويكون مسئولا عنه، أما إن كان مجهولا، فتحتسب الأم ما أصابها عند الله، فإن لم تستطع قبوله عندها لأي سبب، فتسلمه لدار الرعاية فهذه الدار تمثل ولاية السلطان، فهو ولي من لا ولي له.

والله تعالى أعلم

 

[1]: أخرجه النسائي (3986) واللفظ له، وابن أبي حاتم في ((العلل)) (6/301)، والطبراني (13/416) (14256) باختلاف يسير وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي برقم(3997).

[2] أخرجه أبو داود (4270)، وابن حبان (5980)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (9228) باختلاف يسير وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم(4270).

[3] المغني لابن قدامة ج14 ص 189.