الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، أما بعد:
فهذا الخوف الذي أشير إليه في السؤال هاجس بعض الشباب وخوفهم من المسئولية، وأعباء الأولاد وهذا الخوف يتعارض مع دين الإسلام والحكمة من إنجاب الأولاد ففي كتاب الله أخبر عز وجل بأن كل دابة في الأرض سيأتيها رزقها في قوله جل في علاه: (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا) (هود:6)، وإخباره عز وجل حقيقة لا يشك فيها إلا من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه، قال عز وجل: (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) (هود:61)، وقال عز ذكره: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ) (الملك:15)، والآيات في هذا كثيرة، والمراد أن الله عز وجل لما خلق الخلق هيأ له كل أسباب الحياة، فلم يكن للإنسان إلا أن يعمل في إعمار الأرض لما فيه خيره وخير غيره، فإذا عجز وتكاسل عن واجبه أصبح يشتكي من سوء حاله، ولم يعلم أنه المسئول عن هذا السوء.
هذا في عموم المسألة، أما عن السؤال فإن الممتنع عن الإنجاب، قد قصر زواجه من الاستفادة مما وضع الله له من أسباب الرزق.
إن الإسلام يأمر بإنجاب الولد وينهى عن ضده وفي هذا قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه معقل بن يسار -رضي الله عنه-: “تزوَّجوا الوَدودَ الولودَ فإنِّي مُكاثرٌ بِكُمُ الأُممَ”([1]).
وأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلا من الصحابة أن يعمل فقال: “والذي نَفْسِي بيَدِهِ؛ لأن يَأْخُذَ أحَدُكُمْ حَبْلَه، فيَحْتَطِبَ علَى ظَهْرِه؛ خَيْرٌ له مِن أنْ يَأْتيَ رَجُلًا، فيَسْأَلَه، أعْطاهُ أوْ مَنَعَه”([2]).
فالحاصل أن عدم الإنجاب خوفا من مسئولية الولد معارضة لآية من آيات الله في قوله جل في علاه: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ) (النحل:72).
فالحاصل: أنه لا يجوز الامتناع عن الإنجاب وأن على المسلم أن يعمل من أجل رزقه ورزق من يعول، وأن من يمتنع عن الإنجاب يعد عاجزا وكل ومتكاسلا وهذا مما تعوذ منه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله فيما رواه أنس بن مالك -رضي الله عنه-: “اللهم إني أعوذ بك من العجز، والكسل”([3]).
والله تعالى أعلم.
[1] أخرجه أبو داود (2050) واللفظ له، والنسائي (3227) وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (2050) ” حسن صحيح”.
[2] أخرجه البخاري(1470).
[3] أخرجه الطبراني في ((المعجم الصغير)) (316) باختلاف يسير، والحاكم (1944)، والبيهقي في ((الدعوات الكبير)) (348) واللفظ لهما، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم(1285).