الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فظاهر المسألة عن إعطاء زكاة الأخت الغنية لأختها الفقيرة.
والجواب: أن الله عز وجل أمر بالإحسان بين الأقارب والبر بهم فقال جل في علاه: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ}، [النساء:36]. فانظروا كيف عظم الإحسان القريب وقال عز ذكره: {لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ}، [البقرة:177]، وكما عظم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حق القريب على قريبه، ففيما رواه طارق عبد الله المحاربي -رضي الله عنه- قال: (قدِمتُ المدينةَ، فإذا رسولُ اللَّهِ، قائمٌ علَى المنبرِ، يخطبُ النَّاسَ، وَهوَ يقولُ: يدُ المعطى العُليا، وابدأ بمن تعولُ: أمَّكَ وأباكَ، فأختَكَ وأخاكَ، ثمَّ أدناكَ أدناكَ)([1])، والأدلة على مسألة البر كثيرة.
أما عن سؤال الأخت اختلف الفقهاء عما إذا كان من الواجب على الأخت أن تنفق على أختها فذهب الحنفية([2])، والحنابلة([3]) إلى أن حق الأخت واجب على أختها؛ لأن حق القريب على قريبه واجب في الجملة، وذهب المالكية([4])، والشافعية([5])، إلى عدم وجوب نفقة الأخت على أختها.
قلت: فالواجب على الأخت أن تبر بأختها، وتعطيها من مالها، وليس من صدقتها ما يكفي لسد حاجتها؛ إذ لا يتصور دينا وخلقا أن تكون أختها تتكفف الناس، وأختها غنية ولا تعطعها من مالها، فالأخت رحم أختها، وقال الرحمن عز ذكره في الحديث القدسي: (أنا الرَّحمنُ خلَقْتُ الرَّحِمَ وشقَقْتُ لها اسمًا مِن اسمي فمَن وصَلها وصَلْتُه ومَن قطَعها بَتَتُّه)([6]). فالبر مسألة دين وخلق، فانظروا كيف كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحث على بر الجار، بقوله فيما رواه عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- (ليس بمؤمنٍ من بات شبعان وجارُه إلى جنبِه جائعٌ وهو يعلمُ)([7]). فإذا كان هذا هو الجار البعيد من غير ذي القربي فكيف بالأخت القريبة التي ترى قريبتها غنية وهي فقيرة ولا تعطيها ما يسد حاجتها.
الحاصل: أن على الأخت في المسألة البر بأختها الفقيرة، وإعطاءها ما يسد حاجتها.
والله -تعالى- أعلم.
[1] -صحيح النسائي (2531). وقال الألباني (صحيح).
[2] -البحر الرائق 4 / 228.
[3] – المغني 7 / 586
[4] -مواهب الجليل 4 / 209، 210.
[5] -روضة الطالبين 9 / 83.
[6] -أخرجه أبو داود (1694)، والترمذي (1907)، وأحمد (1659)، صححه الألباني في السلسلة الصحيحة، (٥٢٠).
[7] -أخرجه أبو يعلى (2699)، والبيهقي (20160) باختلاف يسير، صححه الألباني في تخريج مشكلة الفقر، (٩٧).