الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، أما بعد:
فالمسلم يعلم بحكم عقيدته تحريم الله للربا في كتابه وسنة نبيه ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- وفي إجماع الأمة:
أما الكتاب: فقوله جل في علاه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِه} [البقرة: 278-279]، هذا في الكتاب.
أما السنة: فقد روى جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:” لَعَنَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقالَ: هُمْ سَوَاءٌ”([1]).
وأما الإجماع: فقد أجمعت الأمة في سلفها وخلفها على تحريم الربا في صوره الظاهرة والباطنة([2])، قال الزَّيلعيُّ رحمه الله: (الرِّبا محرَّمٌ بالكتابِ والسُّنَّةِ وإجماعِ الأمَّةِ)([3])، وقال شيخ الإسلام بنُ تيميَّةَ رحمه الله: (المُراباةُ حرامٌ بالكتابِ والسُّنَّةِ والإجماعِ)([4]).
هذا في عموم المسألة: أما عن سؤال الأخت عن الفوائد التي دفعها البنك لأبيها وكيف يتخلص منها، فالجواب أن هذه الفوائد لا تحل له، فالواجب عليه صرفها في المنافع العامة لصالح المسلمين، كجمعيات الأيتام وإصلاح الطرقات والجمعيات الخيرية ونحو ذلك مما هو في المنافع العامة.
أما بالنسبة عن سؤال الأخت عما إذا كان يجوز لأبيها إعطاء عمها الفقير مما لديه من الفوائد البنكية؟
فالجواب: إنه يجب على القريب القادر الإنفاق على أخيه الفقير العاجز عن الكسب، بما يكفيه من الطعام والشراب واللباس، ويشمل هذا الواجب كل ذي رحم قادر على الإنفاق على رحمه، ممن هم في حاجة، وأن يكون هذا الواجب حسب درجة القرابة، فإذا كان للأخ والد أو الدة قادران على الإنفاق عليه، ارتفع الواجب عن الأخ والمعنى أن يكون الواجب على الأقرب فالأقرب، أي أن نفقة الأخ على والده أولا ثم أخيه ثانيا([5]).
والله تعالى أعلم
[1] أخرجه مسلم(1598).
[2] يُنظَر: ((المبسوط)) (12/97) و((الاستذكار)) (6/352 )و((المغني)) لابن قُدامة (4/3)، و((المجموع شرح المهذب)) تكملة السُّبكي (10/27) و((مجموع فتاوى ورسائل ابن باز)) (30/308).
[3] ((تبيين الحقائق)) (4/85)
[4] ((مجموع الفتاوى)) (29/418).
[5] والمعنى أن يكون القريب قادرا على الإنفاق على قريبه إذا كان فقيرا عاجزا عن الكسب، فإن لم تكن لديه القدرة فلا جناح عليه وهذا هو مذهب الأئمة الأربعة-رحمهم الله- وهذا هو حكم الشرع فلا يتصور أن يمتنع الأخ القادر عن النفقة على أخيه ويتركه عالة يتكفف الناس ويسألهم للنفقة عليه أو يتركه يعمل في الزبل من أجل طعام ينظر: ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (3/64)، ((البحر الرائق)) لابن نجيم (4/228) و((حاشية الدسوقي 2 / 522 – 524)). و((تحفة المحتاج 8 / 344 و 345، ونهاية المحتاج 7 / 218))((كشاف القناع)) للبهوتي (5/481)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/238)، ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (5/643) و ((نيل الأوطار)) (6/381).