سؤال من الأخت ي.ن من الجزائر، تقول : ماحكم خيانة الزوج لزوجته والزوجة لزوجها ؟

خيانة الزوج لزوجته وخيانتها لزوجها

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.  أما بعد :

 هكذا ورد السؤال، والمراد من السؤال عن الزوج الذي يزني والزوجة التي تزني. فهذا الفعل فاحشة منكرة ومحرمة؛ لما فيها من  تجاوز الحدود التي رسمها الله لعباده، وحرم عليهم تجاوزها، والأصل في ذلك قوله -تعالى- : (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا)(الإسراء:32). وقال -عز ذكره-  في وصفها وتحريمها : (الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)(النور:3).

 ولما وصف الله عباده بما هم عليه من الصفات والطاعة والتقوى جعل من بينهم الذين لا يزنون، فقال  -عز ذكره- : (وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا  إلى قوله: ولا يزنون  وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًايُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا )(الفرقان:63-69). والأصل في تحريم هذه الفاحشة  من السنة قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئًا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا)([1]).

 ولعظم فاحشة الزنى  بيّن  -عز وجل- عقوبتها في سورة النور من كتابه الكريم، مما هو معلوم للمسلم من دينه، فهذه فاحشة  أيًّا كان مرتكبها الزوج أو الزوجة محرمة؛لما فيها من  هتك للعرض والتعدي على الأخلاق، ناهيك بما ينتج منها من اختلاط الأنساب، فالزوج يدخل على زوجه ولدًا من غير ولده  فلا يدري ما يفعل به، فينكره ويجد الولد أنه لا ولي له، والزوجة تدخل على زوجها ولدًا ليس ولده ولا من أهله  فينكره، فيجد هذا الولد أنه لا ولي له، وهكذا تشيع الفاحشة، وتنهدم الأسرة فلا يبقى لها معنى.

 وقد ساوى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  بين الحرمة في الدم والمال والعرض، فقال  في حجة الوداع التي ودع فيها الأمة : (فإن دماءكم وأموالكم – قال محمد: وأحسبه قال: وأعراضكم – حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، فلا ترجعن بعدي كفارًا – أو ضلالًا – يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا ليبلغ الشاهد الغائب)([2]).

 إن فاحشة  الزنى خيانة لله وخيانة لرسوله،  والعرض أمانة، فمن خان الله ورسوله  وخان أمانته في حفظ فرجه فقد ارتكب إثمًا عظيمًا في حق نفسه وفي حق غيره، وقد نهى الله عباده عن الخيانة في قوله -جل في علاه-  : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)(الأنفال:27). فهذه الآية عامة في تحريم كل خيانة لله ولرسوله ومنها فاحشة الزنا.

   ألا فليتق الله كل من يرتكب هذه الفاحشة، فيتوب إلى الله توبة نصوحًا؛ عسى الله أن يتوب عليه ويكفر خطيئته، فقد تأذن -جل في علاه- بالتوبة على عباده إذا تابوا وأنابوا إليه، فقال -عز وجل- : (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ)(النساء:27). وقال -تقدس اسمه- : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ)(التحريم:8).

ورحمة من الله  بعباده وعد بأن الذين يعملون الفواحش إذا تابوا وأصلحوا سيبدل سيئاتهم حسنات، فقال -جل في علاه- :(إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا )(الفرقان:70).

فالحاصل جوابًا للأخت السائلة أن فاحشة  الزنا خيانة  لله ولرسوله، وهي فاحشة  ممقوتة؛  لما فيها من هتك  الأعراض وضياع الأولاد واختلاط الأنساب، فلا ينجي صاحبها من الإثم العظيم  إلا بالتوبة النصوح .

[1] – أخرجه البخاري برقم : ١٨، ومسلم برقم (١٧٠٩).

[2] – أخرجه مسلم  برقم : (1679).