الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد ،وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فظاهر سؤال الأخت أن زوجها يرتكب كبيرة الزنى، وقد نصحته أكثر من مرة ولكنه يعود لنفس الفعل.
وفي هذه المسألة وجهان: الأول كبيرة الزنى: فهذه الكبيرة من أشد وأعظم الكبائر؛ لما فيها من التعدي على حدود الله، وهتك الأعراض واختلاط الأنساب، وانتشار الفواحش، وهو محرم بكل المعاني، والأصل في تحريمه الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقد حذر الله منه في قوله -عز وجل-: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا)(الإسراء:32)فعرفه -عز ذكره- بأنه فاحشة وفيه قال: (وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ)(الأنعام:151) وعرفه بأنه كان مقتًا، وأنه طريق سيئ في حياة العباد. ولما مدح -عز وجل- المؤمنين من عباده الذين لا يشركون به، ومدح الذين لا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق، أثنى على الذين لا يزنون فقال -جل في علاه-: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ)(الفرقان:68)ثم قال: (وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ،يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا) ، إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ،وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا)(الفرقان:68-71). ولعظم هذه الكبيرة بيّن الله عقوبتها في كتابه في قوله -تقدس اسمه-: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) إلى قوله : (وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)( (النور:2-3)
هذا في كتاب الله، أما في سنة رسوله، فقد رجم -عليه الصلاة والسلام- رجلًا وامرأة زنيا([1]).
ولما جاءه رجل فقالَ: يا رسولَ اللَّهِ، ائذَنْ لي بالزِّنى، فأَقْبلَ القومُ عليه فزَجروهُ، وقالوا: مَهْ! مَهْ! فقالَ: ادنُهْ، فدَنا منهُ قريبًا. قالَ: فجَلسَ، قالَ: أتُحبُّهُ لأُمِّكَ؟ قالَ: لا واللَّهِ، جعَلَني اللَّهُ فِداءَكَ، قالَ: ولا النَّاسُ يُحبُّونَه لأُمَّهاتِهِم. قالَ: أفتحبُّهُ لابنتِكَ؟ قال: لا واللَّهِ يا رسولَ اللَّهِ، جعَلَني اللَّهُ فِداءَكَ، قالَ: ولا النَّاسُ يحبُّونَه لبَناتِهِم. قالَ: أفتُحبُّهُ لأُخْتِكَ؟ قال: لا واللَّهِ، جعَلَني اللَّهُ فِداءَكَ، قالَ: ولا النَّاسُ يُحبُّونَه لأخواتِهِم. قال: أفتُحبُّهُ لعمَّتِكَ؟ قال: لا واللَّهِ، جعَلَني اللَّهُ فِداءَكَ، قالَ: ولا النَّاسُ يُحبُّونَه لعمَّاتِهِم. قال: أفتُحبُّه لخالتِكَ؟ قال: لا واللَّهِ، جعَلَني اللَّهُ فِداءَكَ، قالَ: ولا النَّاسُ يُحبُّونَه لخَالاتِهِم. قال: فوَضعَ يدَهُ عليه، وقالَ: اللَّهُمَّ اغفِرْ ذَنبَه، وطَهِّرْ قلْبَه، وحَصِّنْ فَرْجَه، فلم يَكُن بَعدُ ذلِك الفَتَى يَلتَفِتُ إلى شيءٍ “([2]) أما الإجماع فإن الأمة في سلفها وخلفها على أن هذه الكبيرة محرمة، وأن مرتكبها آثم ومستحق للعقوبة مالم يتب إلى الله([3]).
فعلى الزوج في المسألة أن يتقي الله، ويترك هذا الفعل المقيت ويتوب إلى الله توبة نصوحًا؛ لأن عاقبة الزنى العذاب والفقر والأمراض والابتلاء في النسل والعرض، وأن في العفاف منه حفظ للنفس وحفظ للذرية؛ لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ( عِفُّوا عن نساءِ الناسِ تعفَّ نساؤكم )([4]).
هذا في عموم المسألة، أما عن سؤال الأخت، فالواجب عليها تكرار النصيحة لزوجها، لعل الله أن ينقذه من هذه الكبيرة فيأجرها الله على ذلك، أما طلبها الطلاق، فمن حق المرأة – أي امرأة- أن تطلب الطلاق إذا كان بقاؤها مع زوجها يضرها في دينها أو نفسها أو عرضها؛ لأن حفظ النفس والدين والعرض والعقل من الضرورات الشرعية، التي يجب على العبد المحافظة عليها. والله – تعالى- أعلم.
[1] كما في صحيح البخاري برقم (4556) وصحيح مسلم (1693).
[2] الصحيح المسند(الصحيح المسند).
[3] الإجماع لابن المنذر (ص: ١٦٠).
[4] ضعيف الترغيب والترهيب للألباني (1667).