الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فقد اهتم دين الإسلام بالوقاية من الأمراض؛ حرصًا على سلامة الأمة من هذه الأمراض، فقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: «لا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ علَى مُصِحٍّ»([1])، وقال-عليه الصلاة والسلام-: «فِرَّ من المجذومِ فرارَكَ من الأَسدِ»([2])، ومن الوقاية من الأمراض: عدم دخول البلاد الموبوءة، فقد رجع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، ولم يدخل مدينة دمشق لَمَّا عَلِمَ أن فيها طاعونًا عُرِفَ بطاعون عمواس، ولما قيل له: قد يكون في هذا فرار من قدر الله، قال -رضي الله عنه-: “نَفِرُّ من قدر الله إلى قدر الله”([3]).
ومن الوقاية من الأمراض: النظافة في كل شأن من شؤون العباد العامة والخاصة، فحرم التبول في المياه الراكدة، والتبول في الطرقات، كما حرم التغوط في الطرقات والأماكن التي يرتادها الناس، فقال -عليه الصلاة والسلام-: «اتَّقوا الملاعنَ الثَّلاثَ: البَرازَ في المواردِ، وقارعةِ الطَّريقِ، والظِّلِّ»([4]).
ومن الوقاية من الأمراض: اجتناب ما حرم الله من الطعام والشراب، فحرم أكل لحم الخنزير لقذارته، وحرم أَكْلَ كلِّ ذي ناب من السباع، وكُلِّ ذي مخلب من الطير؛ لكون هذه الحيوانات والطيور تـأكل الجيف، وتنقل الأمراض إلى من يأكل منها.
ومن الوقاية الأكل من الطيبات؛ لما في ذلك من سلامة الأجسام، وعدم الأكل من الخبائث أيًّا كان مسماها؛ وفي هذا قال-جل في علاه-: ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾ (الأعراف:157).
والوقاية من الأمراض في الإسلام ليست محصورة في أمر معين، بل هي مطلقة الوجوب في كل ما يحفظ النفس، فالأدوية المعقمة للبكتيريا والجراثيم والأوبئة من ضمن الوقاية التي يوجبها الإسلام، ومثلها كذلك الأقنعة التي تغطي الفم والأنف؛ لحمايتهما من الجراثيم، وكذا التباعد الاجتماعي، فهذه كلها تعد جزءًا من الوقاية الواجبة في شكلها العام؛ لمنع كل ما يضر بالنفس.
فالحاصل: أن الإسلام يحث على الوقاية من الأوبئة والأمراض، ويحرم كل ما يسبب ضررًا للإنسان، سواء في دينه أو بدنه. والله تعالى أعلم.
[1] متفق عليه، رواه البخاري برقم (5771)، ومسلم برقم (222).
[2] أخرجه من طرق البخاري معلقًا بصيغة الجزم (5707) مطولاً باختلاف يسير، وأحمد (9722)، واللفظ له.
[3] أخرجه البخاري برقم (5729).
[4] صحيح سنن أبي داود للألباني، رقمه (26).