الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن الأصل في العلاقة الزوجية المعاشرة بالمعروف؛ لقول الله –تعالى-: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ)(النساء:19). والمعاشرة لها عدة وجوه، منها : ظن أحد الزوجين بالآخر ظنًّا حسنًا، والثقة فيه فيما يقول ويفعل. والأصل في هذا قول الباري -عز وجل-:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا)(الحجرات:12). ففي هذه الآية قاعدتان : الأولى : أن بعض الظن إثم، فالمسلم لا يظن بأخيه إلا خيرًا سواء كان هذا الأخ قريبًا أم بعيدًاـ أو زوجًا أم زوجة، وقد حذر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الظن بقوله : (إياكم والظنَّ، فإنَّ الظنَّ أكذب الحديث)([1]). والقاعدة الثانية : النهي عن التجسس، وهذا يأتي تبعًا لسوء الظن، فمن يسيء الظن في أخيه قد يلجئه ذلك إلى التجسس عليه؛ إما خوفًا منه أو حسدًا له. وكلاهما نتيجة لسوء الظن.
هذا هو الأصل عن سوء الظن في القرآن، أما الأصل من السنة فقد ذم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التجسس ونهى عنه بقوله : (ولا تَجَسَّسُوا، ولا تَنافَسُوا، ولا تَحاسَدُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تَدابَرُوا، وكُونُوا عِبادَ اللهِ إخْوانًا)([2]). والأصل فيه أيضًا قوله -عليه الصلاة والسلام-:” كلُّ المسلِمِ على المسلِمِ حرامٌ ، دمُهُ ، ومالُهُ ، وعِرضُهُ”([3]).
ومن وجوه المعاشرة بالمعروف صيانة الزوج لعرضه، وعدم تعريضه للشك في سلوكه، فلا يجوز للعبد أن ينظر إلى عورات غيره من النساء، بل إن ذلك محرم عليه؛ لقول الله -عز وجل- لنبيه : (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)(النور:30) وقوله -عليه الصلاة والسلام- 🙁 عَفُّوا عن نساءِ الناسِ تَعِفَّ نساؤُكم)([4]).
ولما أتى غلام شاب إلى رسول الله -عليه الصلاة والسلام- فقال : يا نبيَّ اللهِ، أتأذنُ لي في الزنا ؟ فصاح الناسُ به ، فقال -عليه الصلاة والسلام-:” قَرِّبوهُ ، ادْنُ، فدنا حتى جلس بين يديْهِ ، فقال -عليه الصلاةُ والسلامُ- : أتحبُّه لأُمِّكَ فقال : لا ، جعلني اللهُ فداك , قال : كذلك الناسُ لا يُحبُّونَه لِأمَّهاتِهم ، أتحبُّه لابنتِك ؟ قال : لا ، جعلني اللهُ فداك، قال : كذلك الناسُ لا يُحبُّونَه لبناتِهم.أتحبُّه لأختِك ؟ وزاد ابنُ عوفٍ حتى ذكر العمَّةَ والخالةَ ، وهو يقولُ في كلِّ واحدٍ: لا ،جعلني اللهُ فداك، وهو -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- يقولُ كذلك الناسُ لا يُحبُّونَه ، وقالا جميعًا في حديثِهما – أعني ابنَ عوفٍ والراوي الآخرَ – : فوضع رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- يدَه على صدرِه وقال : اللهمَّ طهِّرْ قلبَه، واغفر ذنبَه، وحصِّنْ فَرْجَه. فلم يكن شيءٌ أبغضَ إليه منه) ([5]). وأن من يتتبع عورات الناس يكشف الله ستره ويفضحه بين خلقه؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام- : (يا معشرَ من آمنَ بلسانِه ولم يدخلْ الإيمانُ قلبَه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتَّبعوا عوراتِهم، فإنه من اتَّبعَ عوراتِهم يتَّبعُ اللهُ عورتَه، ومن يتَّبعِ اللهُ عورتَه يفضحُه في بيتِه)([6]).
هذا في عموم المسألة، أما عن سؤال الأخت فالجواب عنه أنه لا يجوز لها التجسس على هاتف زوجها؛ لأن ذلك من سوء الظن، ووساوس الشيطان، ومحاولته زرع العداوة بينها وبين زوجها، وهدم كيان أسرتهما، كما أنه يحرم على زوجها تتبع المحارم، فذلك أيضًا من ضلال الشيطان، ولا يفعل ذلك إلا من ساء سلوكه، وابتعد عن أمر ربه وأمر رسوله. وعلى كل من الزوجين أن يبتعد عما يفسد علاقتهما؛ فالطلاق من أبغض الحلال إلى الله، وعاقبته الندم .
وكما يجب على الزوج الابتعاد عن النظر إلى غير محارمه أو محادثتهن، وعلى الزوجة أن تدعوه بالموعظة الحسنة إلى تصحيح سلوكه. والله تعالى أعلم.
[1] – أخرجه البخاري برقم :(5143)، ومسلم برقم: (2563).
[2] – أخرجه مسلم برقم 🙁 2563).
[3] – أخرجه البخاري (6064) مختصرًا، ومسلم (2564).
[4] – أخرجه الحاكم في المستدرك ج 4ص 171 برقم : (7259 ) وقال الألباني في السلسلة الضعيفة برقم :(2043) إسناده ضعيف.
[5] – أخرجه الإمام أحمد في مسنده ج36/545 برقم : 22211 و الطبراني في المعجم الكبيرج8ص162 برقم : 7679.والبيهقي في شعب الإيمان ج7/295 برقم : 5032
[6] – أخرجه : أخرجه أبو داود برقم (4880)، والإمام أحمد في مسنده (19776) وقال الألباني في صحيح أبي داود برقم 4880: حسن صحيح.