الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيه الأمين، وعلى صحابته أجمعين، أما بعد:
فإن القول في الغناء قد تردد بين تحريمه وكراهته وإباحة حالات معينة منه، ويكاد عامة الفقهاء يتفقون على إباحة أنواع معينة منه، كالدف للنساء في الأعراس، والولادة، وعقد النكاح، وحوادث السرور، وطبل الحرب، ومن يغنِّي لنفسه غِناءً لا يحرك فيه الهوى، وكذلك الغناء في الأسفار، وإنشاد الأشعار المباحة، ونحو ذلك مما تألفه الطباع السليمة.
واستدل القائلون بتحريمه بأدلة من الكتاب والسنة، واستدل القائلون بكراهته بإجماع علماء الأمصار على هذه الكراهة، والمنع منه.
وعلى أي حال فالأصل في دين الإسلام تحريم اللهو والعبث، سواء كان ذلك في صورة لفظ أم كان في صورة كتابة، وهذا التحريم لعدة أسباب:
منها: أن اللهو يُفسد علاقة الإنسان بربه حين يلهو ويعبث، فلا يبالي حينئذ بارتكاب المعاصي، مما يتنافى مع الحكمة من خلقه، وهي عبادة الله.
ومن هذه الأسباب: أن دين الإسلام دين قوة وعطاء، فالذين يمارسون اللهو ينسلخون من مواطن القوة.
ومن هذه الأسباب: أن دين الإسلام دين خُلُقٍ وحياء، ومن المشاهد أن اللهو في جميع صوره قد يزيل عن أصحابه صفات الخلق، فيتجردون من القيم والعادات التي تكون عليها أمتهم.
وإذا كان دين الإسلام يحرم اللهو والعبث فهذا لا يعني بأي حال إغفال أحاسيس الإنسان ومشاعره وعواطفه، فهو بحكم هذه الأحاسيس معرض للفرح والحزن، والضحك والبكاء؛ ولهذا أباح الإسلام التلذذ بالصوت الحسن في قراءة القرآن وسائر أنواع المباحات.
فعلى ما ذكر يحرم من الغناء كل ما تعلق بمحرم، أو كان وسيلة إليه.
والأخت في المسألة تقول: إن زوجها يصلي، ويتلو القرآن، ولكنه يسمع الأغاني، وطالما أنه يصلي، ويقرأ القرآن فهو على خير-إن شاء الله-، وقراءته للقرآن تدل على حبه لكلام الله، وهذا الحب يطغى في النهاية على كل ما هو ضده، والعبد معرَّضٌ للخلط بين الحسنات والسيئات، وفي هذا قال -عز وجل-: ﴿خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ (التوبة:102).
والله تعالى أعلم.