يفهم من قضية التصفيح ما كان منتشرًا للحفاظ على عفة الفتيات القاصرات، من اختطافهن والاعتداء عليهن؛ مما جعل أولياءهن يبحثون عن حلول للاطمئنان على بناتهم وحمايتهن من ضعاف النفوس، فرأوا أن الحل لمخاوف الاعتداء محاولة ربط أو (( تصفيح)) بناتهم؛ حفاظًا عليهن وعلى شرف العائلة .
ويظهر أن هذا الحل يتمثل في استخدام السحر، وتقدم به امرأة وتردد فيه تعاويذ معينة من طقوس خاصة تجعل الفتاة محمية، ولا يتمكن أي رجل من القرب منها؛ لما يصيبه من الوهن والعجز . ويتم حل هذا السحر قبل عدة ساعات من زفاف البنت إلى زوجها .
هذه خلاصة التصفيح، ولعل ما دفع الأولياء إلى هذه الوسيلة الخوف على بناتهم – كما ذكر- ولكن هذه الوسيلة في مبدئها ومنتهاها وسيلة خاطئة؛ لأنها تعتمد على السحر، وهذا مما حرمه الله وجعل صاحبه من الكافرين، والأصل في ذلك الكتاب والسنة . أما الكتاب فقول الله -عز وجل-: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) إلى قوله (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ )(البقرة:102) وقوله -عز ذكره -: (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ)(طه:69).
وأما السنة فقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (اجتنبوا السبع الموبقات»، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: «الشرك بالله، والسحر…)([1]) وقوله -عليه الصلاة والسلام-: (من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك)([2]) . وقوله: (من أتى كاهنًا، أو عرافًا، فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد)([3]) وقوله -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم- : (ليس منا من تسحر أو تسحر له، أو تكهن أو تكهن له، أو تطير أو تطير له)([4]). والأحاديث في هذا كثيرة .
فدل هذا حكمًا على أنه يحرم الذهاب إلى السحرة لطلب العلاج منهم، فالسحر لا يعالج بسحر مثله، ومن قال بذلك فقد أخطأ وأمره إلى الله، والأخت في السؤال تقول إنها عملت رقية شرعية من العين، والأصح أن تعمل الرقية الشرعية لعلاج السحر مما هو معروف عند الرقاة الشرعيين المؤمنين، فعسى الله أن ينفع بهذه الرقية وأن يفك عنها ما تجده، ويصلح أحوال إخواننا ويجنبهم شرور السحر وآثاره، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
[1] – أخرجه البخاري في باب قول الله – تعالى-: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا، إنما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعيرًا} [النساء: 10]
برقم (2766).
[2] – أخرجه النسائي في السنن الكبرى الحكم في السحرة برقم (3528)
[3] – أخرجه الإمام أحمد في مسنده برقم (9536).
[4] – أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط ج4ص 301.