سؤال من الأخت هدى من الجزائر، يقول: زوجي لا يصلي، وقد نصحته كثيرًا ولكنه مصرّ على ترك الصلاة، فهل يجوز لي أن أفارقه في الفراش؟

هل للزوجة مفارقة الزوج الذي لا يصلي في الفراش

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

  فتارك الصلاة له وجهان: الأول: تارك لها جحودًا لوجوبها، فهذا كافر كفرًا أكبر، لا يقبل الله منه عملًا؛ لأن الصلاة ركن من أركان الإسلام، فمن جحد ركنًا من هذه الأركان فقد عصى الله وكفر بما فرضه على عباده، والأصل فيه قوله -عز وجل-: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ)(البقرة:43) وقوله -عز ذكره-:(إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا)(النساء:103) وقوله -تقدس اسمه-: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ)(الإسراء:78) وقوله: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)(البينة:5) والأصل فيه أيضًا قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ( العهدُ الذي بينَنا وبينَهم الصلاةُ ، فَمَنْ تَرَكَها فَقَدْ كَفَرَ)( [1]). فهذا التارك الجاحد للصلاة لا يقبل منه عمل؛ بسبب كفره وجحوده.

الوجه الثاني: تارك الصلاة تهاونًا وكسلًا فهذا يعد عاصيًا وآثمًا ومن عداد المنافقين، والشاهد فيه قول الله – تعالى-: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا)(النساء:142)، وقوله -جل في علاه- : (وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ)(التوبة:54) والشاهد فيه من السنة قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : (  أثقلُ الصلاةِ على المنافقين صلاةُ العشاءِ وصلاةُ الفجرِ ولو يعلمونَ ما فيهما لأتوهُما ولو حبوًا)([2]) وقوله -عليه الصلاة والسلام- : (من سمعَ النِّداءَ فلم يأتِهِ فلا صلاةَ لَه إلَّا من عُذرٍ )([3]) والعذر هنا الخوف والمرض وقوله-عليه الصلاة والسلام-: ( والذي نَفْسِي بيَدِهِ لقَدْ هَمَمْتُ أنْ آمُرَ بحَطَبٍ، فيُحْطَبَ، ثُمَّ آمُرَ بالصَّلاَةِ، فيُؤَذَّنَ لَهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيَؤُمَّ النَّاسَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إلى رِجَالٍ، فَأُحَرِّقَ عليهم بُيُوتَهُمْ، والذي نَفْسِي بيَدِهِ لو يَعْلَمُ أحَدُهُمْ، أنَّه يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا، أوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ، لَشَهِدَ العِشَاءَ)([4]) ولعظم ذنب المتهاون بالصلاة بين الله عقوبته في قوله – تعالى- : (فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ ، الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ)(الماعون:4-5) والمراد بهم من يتأخرون في أداء الصلاة بعد دخول وقتها، والويل هنا إما شدة العذاب أو واد في جهنم.

والآيات والأحاديث في هذا كثيرة.

   فاقتضى ما ذكر أن أمر الصلاة أمر عظيم، وأن التهاون فيها من صفات المنافقين، وأنه لا يجوز للعبد أن يتأخر أو يتهاون في الصلاة، فقد يدركه الأجل وهو على هذه الحالة، فيلقى الله وهو عاص له، وتارك لأمره وأمر رسوله.

هذا في عموم المسألة، أما عن سؤال الأخت، فالواجب عليها نصح زوجها وتكرار هذا النصح، لعل الله أن يفتح عليه فيصغى إليها ويسمع نصحها، وقد تستعين في نصحها بإخوانه وأهله وأصدقائه، فإن أبى وأصر على تركه وتهاونه في الصلاة، فلها أن تتقدم إلى من بيده الأمر، ولا تلجأ إلى مفارقته في الفراش إلا بعد أن تكون قد يئست من سلوكه. والله – تعالى- أعلم.

 

[1] أخرجه الترمذي (2621)، والنسائي (463)، وابن ماجه (1079)، وأحمد (22987).

[2] أخرجه البخاري (657)، ومسلم (651).

[3] أخرجه أبو داود (551) مطولاً، وابن ماجه (793) واللفظ له.

[4] أخرجه البخاري(644).