الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا محمد، أما بعد:
فالقرآن الكريم كلام الله المنزل من عنده؛ هدًى ورحمةً لعباده، وعظمة القرآن وما يجب من صيانته وحفظه من الابتذال تقتضي ألا تُمَسَّ آياته أو أحكامُه بشيء من الألوان أو الأصباغ؛ تعظيمًا له، وخشيةَ أن يكون عرضةً للتهاون فيه بالألوان، لقد حفظ السلف من أئمة المسلمين وعامتهم هذا القرآنَ، وأَوْلَوْهُ عنايتَهم، فكما حفظه الله بحفظه لم يجعلوا لأحد سبيلًا إلى تحريفه، أو امتهانه، أو ابتذاله، أو العبث فيه، سواء كان هذا على سبيل الجد أو الهزل.
والشاهد فيه ما رَوَى الإمام القرطبي بإسناده إلى يحيى بن أكثم قال: كان للمأمون-وهو أمير إذْ ذاك-مجلسُ نَظَرٍ، فدخل في جملة الناس رجل يهودي، حسنُ الثوب، حسنُ الوجهِ، طيب الرائحة، قال: فتكلَّم، فأحسن الكلامَ والعبارةَ، قال: فلما تقوَّضَ المجلس دعـاه المأمون، فقال له: إسرائيلي؟، قال: نعم! قال له: أسْلِم حتى أفعل بك وأصنع، ووَعَدَه، فقال: ديني ودين آبائي، وانصرف. قال: فلما كان بعد سنة جاءنا مُسلِمًا. قال : فتكلّم على الفقه، فأحسن الكلامَ، فلما تقوّض المجلس دعاه المأمون، وقال : ألستَ صاحبنا بالأمس؟، قال له: بلى! قال: فما كان سبب إسلامك؟، قال انصرفت من حضرتك، فأحببت أن أمتحن هذه الأديان، وأنت تراني حسن الخطّ، فعمدت إلى التوراة، فكتبت ثلاث نسخ، فزِدتُ فيها، ونقصت، وأدخلتها الكنيسة، فاشْتُرِيَتْ مِنِّي، وعمدتُ إلى الإنجيل، فكتبت ثلاث نسخ، فزِدتُ فيها، ونقصت، وأدخلتها البَيْعَة، فاشتُرِيَتْ مِنِّي، وعمدتُ إلى القرآن، فعملتُ ثلاث نسخ، وزِدتُ فيها، ونقصت، وأدخلتها الورَّاقِين، فتصفحوها، فلما أنْ وجدوا فيها الزيادة والنقصان رَمَوْا بها، فلم يَشتروها، فعلمتُ أن هذا كتابٌ محفوظٌ، فكان هذا سبب إسلامي. قال يحيى بن أكثم: فحججتُ تلك السنةَ، فلقيت سفيان بن عيينة، فذكرتُ له الخبرَ، فقال لي: مصداق هذا في كتاب الله -عز وجل-، قال: قلتُ: في أيِّ موضع؟، قال: في قول الله-تبارك وتعالى-في التوراة والإنجيل: ﴿بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ﴾ (المائدة: 44)، فجَعَلَ حفظه إليهم فَضَاع، وقال -عز وجل-: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ (الحجر: 9)، فحفظه الله -عز وجل- علينا، فلم يَضِع([1]).
فأسلم اليهودي، وعلم أن أحدًا لا يستطيع أن يعبث في القرآن؛ لأن الله حفظه بقوله-جل في علاه-: ﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ*فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ﴾ (البروج: 21-22).
هذا في عموم المسألة، أما عن السؤال فلا يجوز تلوين الآيات أو الأحكام أو المتشابهات بأي لون، ويمكن لها أن تكتب ما تريد في ورقة أو وريقات تضع فيها ما تريد من الآيات بالألوان، مع وجوب المحافظة على هذه الوريقات بعد انتهاء مهمتها، إما بتقطيعها أو حرقها. والله-تعالى-أعلم.
[1] الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج11 ص 262.