الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فظاهر السؤال أن الأخت قد اشترطت في أثناء عقد زواجها أن تستمر في عملها صيدلية في مستشفى حكومي، وقد قبل الزوج هذا الشرط كما ذكرت، ولكنه يتعنت أي يريد وقف زوجته عن العمل، والأمر في هذا واضح، فقد أمر الله -عز وجل- وأمره الحق -بالوفاء بالعقود، فقال -جل في علاه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (المائدة:1). وقال تعالى: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤولًا) (الاسراء:17)، وكما أمر الله بالوفاء بالعقود أمر به رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: (المسلمون على شروطهم إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا)([1])، وما أمر به أيضًا -عليه الصلاة والسلام- بقوله: (أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج)([2]).
وقد أجمع المسلمون في سلفهم وخلفهم على وجوب الوفاء بالعقود، والعقل يقتضي هذا الوجوب، فالحياة في عمومها قائمة على القواعد التي وضعها الله لعباده وأمرهم بالالتزام بها، فلو كان كل من عقد عقدًا ينفك عنه لفسدت الحياة، وساءت الأحوال وحلت الفوضى محل الأمن والاستقرار؛ ولهذا قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: (مقاطع الحقوق عند الشروط) ([3]).
وعقد الزواج من أهم العقود، وقد سماه الله (الميثاق الغليظ) في قوله -عز ذكره-: (وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا) (النساء:4).
والحاصل: أن الأخت في السؤال طالما أنها ملتزمة بما نص عليه العقد، وأنها ملتزمة كذلك بالقواعد والوسائل الشرعية، فمن حقها على زوجها تنفيذ ما قبله من شرطها، فهذا العقد عهد، والعهد يلزم صاحبه بالوفاء به شرعًا ونظامًا و خلقًا. والله نسأل أن يجعلنا ممن يفي بعهد الله ويتبع ما أمر به، وينتهي عمّا نهى عنه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله تعالى أعلم
[1] – أخرجه البيهقي في السنن الكبرى برقم (14432)،صححه الألباني في صحيح الترمذي، (١٣٥٢).
[2] – أخرجه البخاري برقم (2721).
[3] – أخرجه البخاري 3/190 كتاب النكاح باب الشروط في المهر عند عقدة النكاح، صححه الألباني في إرواء الغليل، (١٨٩١).